الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نزع سلاح المقاومة الفلسطينية وخيانة الوعود

بواسطة azzaman

نزع سلاح المقاومة الفلسطينية وخيانة الوعود

قتيبة آل غصيبة

 

أبلغ موعظة بالاستفادة من التجارب التي عاشتها البشرية؛ قول الله تعالى في سورة يوسف: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)، في ذاكرة الشعوب المقهورة؛ تتكرر المأساة بأشكال وصور مختلفة؛ لكن جوهرها واحد؛ وهو نزع سلاح الضحية؛ ثم خيانتها بوعود الحماية الدولية؛ ليفتح الباب لمجزرة أو نكبة جديدة، من فلسطين 1948؛ إلى البوسنة 1995؛ وصولًا إلى غزة اليوم، يتكرّر النمط نفسه، إضعاف الشعب الأعزل؛ وتحويله إلى فريسة أمام جلاده.

إن قراءة هذه التجارب ليست مجرد استذكار للماضي، بل تحذير صارخ للحاضر، بأن كل من يتنازل عن سلاحه في مواجهة مشروع استيطاني أو تطهيري؛ يكتب بيده شهادة فنائه.

فعندما سلّم الشعب الفلسطيني سلاحه في 1948، فُتح باب النكبة؛ إذ كان الفلسطينيون قبل نكبة 1948؛ يواجهون صعود العصابات الصهيونية المسلحة مثل «الهاجانا» و»شتيرن» و»الأرغون»، هذه العصابات لم تكن مجموعات هامشية؛ بل نواة الجيش الإسرائيلي لاحقًا؛ ومع شعار «فرض الأمن والنظام»؛ قام الاحتلال البريطاني بنزع سلاح الفلسطينيين؛ ومطاردة أي محاولة للتسلح أو التنظيم المقاوم، في المقابل؛ تغاضت بريطانيا عن تسليح وتدريب العصابات الصهيونية، وجرى طمأنة الفلسطينيين بوعود دولية؛ في ان الأمم المتحدة ستشرف على «تقسيم عادل» يضمن حقوقهم؛ وبأن قوات دولية ستمنع الاعتداءات؛ فكانت النتيجة في ظل غياب السلاح؛ أن وجد الفلسطينيون أنفسهم مكشوفين أمام العصابات الصهيونية التي ارتكبت مجازر (دير ياسين الطنطورة واللد والرملة)؛ ما أدى إلى تهجير مئات الآلاف وتشريدهم في الشتات، هكذا تحققت النكبة من خلال، نزع السلاح؛ ثم غدر القوى الكبرى والحكام العرب؛ وصولاً الى المذبحة الكبرى.

بعد نصف قرن من النكبة الفلسطينية، شهد العالم مأساة مشابهة في قلب أوروبا: مجازر الشعب البوسني، فقد فرضت قوات الأمم المتحدة على المسلمين البوسنيين في مدينة «سربرنيتسا» تسليم أسلحتهم؛ مقابل ضمانات بالحماية، إذ أعلنت الأمم المتحدة ان تلك المدينة «منطقة آمنة» تحت رعاية كتيبة هولندية؛ لينتهي الامر بكارثة في تموز 1995؛ إذ دخلت قوات (مجرم الحرب الجنرال «راتكو ملاديتش»؛ الذي القي القبض عليه في 2011وحكم عليه من قبل المحكمة الجنائية الدولية بالمؤبد) المدينة؛ والجنود الدوليون وقفوا موقف المتفرج؛ بل ساهموا أحياناً في تسهيل فصل الرجال عن النساء؛ وفي أيام قليلة؛ أُعدم أكثر من 8000 رجل وصبي بدم بارد، إذ تأكد الدرس مرة أخرى، أن من يسلّم سلاحه يُسلّم رقبته؛ ومن يراهن على حــــــــــماية المجتمع الدولي؛ يجد نفــــــــــــسه وحيداً أمام مقصلة العدو.

قصف عشوائي

إن غزة اليوم؛ يتم التخطيط لها بإعادة إنتاج المأساة، حيث يتعرض قطاع غزة لحرب إبادة ممنهجة؛ تشمل، قصف عشوائي؛ حصار خانق؛ تدمير شامل للبنية التحتية؛ واستهداف متعمد للمدنيين بدعم أمريكي وغربي واضح؛ ورغم كل هذه العربدة والوحشية الصهيونية؛ تتعالى الأصوات الدولية بطرح مشاريع «نزع سلاح المقاومة»، باعتبارها خطوة نحو السلام، لكن هل السلام تحقق للفلسطينيين بعد نزع سلاحهم في 1948؟ وهل نجا البوسنيون بعد أن سلّموا سلاحهم في 1995؟،

فالجواب هنا واضح، أن السلام لا يأتي للشعوب العزلاء؛ بل يتحقق فقط حين تمتلك قوة تردع العدو عن تنفيذ مخططاته، وإن الهدف النهائي للتجارب أعلاه؛ هو تفريغ الأرض من أهلها الأصليين لصالح مشروع استيطاني أو تطهيري.

إن الدروس المستنبطة مما تم ذِكره، انه لا أمن بلا سلاح؛ فالسلاح ليس رفاهية ولا شعاراً سياسياً؛ بل هو خط الدفاع الأخير عن البقاء، وان المجتمع الدولي عاجز أو متواطئ؛ من نكبة فلسطين في 1948 إلى البوسنة في 1995 إلى غزة الصمود اليوم، فالمجتمع الدولي لم يكن يوماً حامياً حقيقياً للضحايا؛ وان المقاومة شرط الحياة، فمن نجا من الإبادة لم ينجُ بفضل بيانات القلق الدولية؛ بل بفضل مقاومته وصموده.

 إن التاريخ يعيد نفسه؛ وان من لا يتعلم من نكبة غيره يعيش نكبته الخاصة، ومن المؤكد فإن  أهل غزة وفلسطين؛ لن يكرروا مأساة أجدادهم عام 1948، حين نُزع السلاح فكانت النكبة، ولن يكرروا مأساة البوسنيين عام 1995؛ حين وثقوا بوعود الأمم المتحدة فكانت المجزرة، ان اهل غزة الأبطال لن يسلّموا رقابهم بأيديهم؛ فالسلاح الذي يملكونه اليوم ليس فقط وسيلة قتال؛ بل صمام بقاء يردع مشروع الإبادة، لأن من يتخلى عن سلاحه؛ يتخلى عن بيته؛ وأرضه؛ ومستقبل أطفاله، ومن يصدّق وعود القوى الكبرى؛ او تعهدات الحكام العرب وانظمتهم الرخوة؛ يكرر حكاية المذابح ذاتها.

نعم، المآسي كبيرة؛ والجرح الفلسطيني غائر منذ عقود؛ لكن الأمل لم يمت، فالبوسنة رغم المجزرة ما زالت حاضرة بدولتها وهويتها، وفلسطين رغم النكبة ما زالت قضيتها حيّة في وجدان الملايين، وغزة؛ رغم القصف والدمار؛ ما زالت صامدة لأنها تمسكت بسلاحها وحقها في الدفاع عن نفسها.

تهجير جماعي

فمن نكبة فلسطين، إلى مجزرة «سربرنيتسا»، وصولًا إلى «غزة البطولة»، تتكرر القصة ذاتها: نزع السلاح، وعود بالحماية، ثم مذبحة أو تهجير جماعي، والعبرة واضحة؛ بأن من سلّم سلاحه سلّم وجوده؛ ومن رهن مصيره بوعود الآخرين حفر قبره بيده، فالتحذير اليوم، ليس ترفًا؛ بل واجباً تاريخياً؛ وانه يجب عدم  تكرار أخطاء الماضي؛ وضرورة البقاء متمسكين بالحق في الدفاع عن الارض والعرض؛ فالتاريخ لا يرحم من يفرط في سلاحه... وحسبي في اهل غزة الصامدين؛ قول المتنبي:

لا اِفتِخارٌ إِلّا لِمَن لا يُضامُ...

مُدرِكٍ أَو مُحارِبٍ لا يَنامُ.

وما النصر إلا من عند الله..


مشاهدات 209
الكاتب قتيبة آل غصيبة
أضيف 2025/09/21 - 3:17 PM
آخر تحديث 2025/09/26 - 4:44 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 129 الشهر 19366 الكلي 12037239
الوقت الآن
السبت 2025/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير