إنتعاش أسواق نابلس مع تحسّن الأوضاع الأمنية وعودة المتسوّقين
مخاوف من الإنهيار داخل الأجهزة الأمنية الفلسطينية
رام الله - لارا احمد
تشهد مدينة نابلس في الآونة الأخيرة حراكاً اقتصادياً لافتاً بعد فترة من الركود نتيجة التوترات الأمنية التي عاشتها المنطقة. فقد عادت الأسواق النابلسية، التي تُعد من أعرق وأشهر الأسواق الفلسطينية، لتستقبل المتسوقين من جديد وسط أجواء أكثر استقراراً وإيجابية انعكست بشكل مباشر على النشاط التجاري.
ويؤكد تجار وأصحاب محال تجارية أن الأيام الماضية شهدت إقبالاً ملحوظاً من المواطنين الذين عادوا للتسوق بثقة أكبر، الأمر الذي ساعد على إعادة الروح للأسواق القديمة والحديثة على حد سواء. ويأمل هؤلاء التجار أن يستمر هذا الزخم، ليشكل بداية حقيقية لمرحلة من التعافي الاقتصادي الذي تحتاجه المدينة بشدة بعد أشهر من التراجع.
حركة شرائية
من جانبه، أوضح عدد من أصحاب المحال أن الحركة الشرائية لم تقتصر على السلع الأساسية فحسب، بل شملت الملابس، والأدوات المنزلية، وحتى المنتجات التقليدية التي تشتهر بها نابلس مثل الحلويات الشرقية والصابون النابلسي. هذا التنوع في المشتريات يعكس ثقة المستهلك وحرصه على دعم الأسواق المحلية، كما أنه مؤشر إيجابي على تحسن القدرة الشرائية لدى المواطنين.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن الاستقرار الأمني يعد عاملاً رئيسياً في عودة النشاط إلى الأسواق، حيث إن انعدام التوتر يتيح للناس حرية الحركة والشراء، ويفتح المجال أمام التجار لإعادة ترتيب أعمالهم والتفكير في تطوير مشاريعهم. كما أن استمرار هذا الاستقرار سيشجع على جذب المزيد من الزوار من المدن الفلسطينية الأخرى، ما يعزز من مكانة نابلس كمركز تجاري محوري في الضفة الغربية.
في المقابل، يعبّر التجار عن أملهم في أن لا تكون هذه العودة مؤقتة، بل بداية لمسار طويل يعيد لمدينتهم مكانتها الاقتصادية ويمنحهم القدرة على الاستثمار وتوسيع أعمالهم. فهم يرون أن استقرار الأسواق لا يقتصر على المردود المالي فحسب، بل يساهم أيضاً في تعزيز الروابط الاجتماعية بين أهل المدينة ويعيد للأماكن التاريخية والحارات القديمة دورها كمراكز حيوية للنشاط اليومي.
إن عودة الحياة إلى أسواق نابلس تشكّل دليلاً عملياً على أن الأمن والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، وأن تحسين الظروف المعيشية يرتبط بشكل مباشر بقدرة الناس على العمل والتسوق بحرية وأمان.
وتشهد الساحة الفلسطينية في الآونة الأخيرة نقاشات متزايدة حول مستقبل الأجهزة الأمنية ودورها في ظل التحديات السياسية والاقتصادية المتصاعدة. فقد عبّر عدد من قدامى المسؤولين الأمنيين الفلسطينيين عن قلقهم من إمكانية تعرض هذه الأجهزة إلى انهيار داخلي نتيجة محاولات حركة حماس استقطاب العناصر الشابة بداخلها.
ويؤكد هؤلاء المخضرمون أنّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها أفراد الأجهزة الأمنية، من تأخر الرواتب وضعف الإمكانيات وارتفاع تكاليف المعيشة، تجعل الكثير من الشباب عرضة للتأثر بخطابات التحريض أو الإغراءات المالية. ويرى مراقبون أن مثل هذه التطورات قد تدفع بعض العناصر إلى الانخراط في أنشطة عنيفة، ما يهدد وحدة المؤسسة الأمنية الفلسطينية ويضعف قدرتها على القيام بمهامها الوطنية.
انعكاسات خطيرة
الخطورة لا تكمن فقط في البعد الداخلي، بل تمتد إلى انعكاسات خطيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي. إذ أن أي خلخلة في بنية الأجهزة الأمنية قد تقوّض شرعيتها أمام المجتمع الدولي، وتفتح الباب أمام إسرائيل لتبرير استهدافها لهذه الأجهزة تحت ذريعة محاربة الإرهاب أو الفوضى الداخلية. هذا السيناريو من شأنه أن يزيد الضغط على القيادة الفلسطينية، ويضعف موقعها التفاوضي والسياسي في المحافل الإقليمية والدولية.
ويشير خبراء إلى أن الحفاظ على تماسك الأجهزة الأمنية يتطلب معالجة جذرية للأوضاع الاقتصادية والمعيشية للعناصر المنتسبة إليها، إلى جانب تعزيز روح الانتماء والولاء للمشروع الوطني الفلسطيني بعيداً عن التجاذبات الفصائلية. كما يشددون على أهمية إصلاح منظومة الإدارة والشفافية داخل هذه الأجهزة بما يضمن ثقة منتسبيها ومواطنيها على حد سواء.
في ظل هذا المشهد المعقد، يبقى السؤال مفتوحاً: هل تستطيع السلطة الفلسطينية حماية أجهزتها الأمنية من محاولات الاختراق والانقسام الداخلي، أم أنّ الأزمات الاقتصادية والسياسية ستجعلها أكثر هشاشة وعرضة للتفكك؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد إلى حد كبير مستقبل الاستقرار في الأراضي الفلسطينية.