رسالة إلى وزير الثقافة
حاكم الشمري
إنَّ التراث ليس حجارةً صامتة ولا جدرانًا قديمة، بل هو ذاكرةُ وطنٍ وملامحُ هويةٍ وروحُ مدينةٍ ترفض أن تُمحى من ذاكرة الأجيال. وفي بغداد، العاصمة التي تختزن في أزقتها وجوامعها وخاناتها تاريخًا ضاربًا في العمق، تبرز الحاجة الملحّة إلى وقفةٍ جادّة أمام ما تتعرّض له مواقعها التراثية من تجاوزات وطمسٍ لمعالمها الأصيلة.من المؤسف وخلال زيارة لي لشارع الرشيد ليلا أن ارى، جامع الحيدر خانة الذي يُعدّ من أهم المعالم الدينية والتاريخية في قلب بغداد، وقد لُوّثت واجهته الأصيلة بمواد حديثة كالسيراميك والتغليف الصناعي، في مخالفة صريحة لشروط الحفاظ على التراث وضوابطه. إنَّ مثل هذه التغييرات لا تمثّل مجرد تعديلٍ شكلي، بل هي اعتداءٌ مباشر على أصالة المكان وتشويهٌ لهويته، بما يُفقِد الأجيال القادمة فرصة التعرّف على الملامح الحقيقية لتاريخ مدينتهم.هذه الظاهرة لا تقف عند جامع الحيدر خانة وحده، بل تمتد لتشمل العديد من المواقع التراثية والأثرية في بغداد، من خاناتٍ وجوامع وبيوتٍ قديمة وأسواقٍ تاريخية، تعرّضت للتغيير العشوائي أو الإهمال أو حتى الهدم أحيانًا، في ظل غياب الرقابة الحقيقية أو ضعف تطبيق القوانين الخاصة بحماية التراث.إننا، إذ نوجّه هذه الرسالة إلى وزير الثقافة، نطالب بخطوات عاجلة وجادّة لحماية الإرث البغدادي من العبث والاندثار. تبدأ هذه الخطوات بتفعيل القوانين الرادعة ضد كل من يتجاوز على الأبنية التراثية، مرورًا بوضع خطط ترميم وصيانة وفق المعايير العالمية المعتمدة، وصولًا إلى نشر الوعي المجتمعي بقيمة التراث ودوره في صياغة الهوية الوطنية.فالثقافة ليست كتبًا ومهرجاناتٍ فحسب، بل هي أيضًا حفاظٌ على الجذور التي انبثقت منها هذه الأمة، وصونٌ للذاكرة التي تُشكّل حاضرها ومستقبلها. إنَّ إنقاذ بغداد من نزيفها التراثي ليس ترفًا ولا تكلّفًا، بل هو واجبٌ وطني وأخلاقي، ورسالةٌ أمام التاريخ.