من يدفع الثمن ؟
سدير فاروق الراوي
في كل استحقاق انتخابي، تطفو على السطح وجوه اعتادت التنقل بين المرشحين كما يتنقل التاجر بين الأسواق. أمس كانوا يصفقون لمرشح أول، واليوم يرفعون شعارات خصمه، لا لشيء إلا لأن المال غيّر اتجاه بوصلتهم.
هذا المشهد الفجّ لم يعد مجرد استثناء، بل صار قاعدة تسيء إلى معنى الديمقراطية، وتحوّل الانتخابات من ساحة تنافس بالبرامج والرؤى إلى سوق للمساومة والابتزاز. من يملك المال يشتري الولاء، ومن يفتقر إليه يخسر قبل أن تبدأ المعركة.
إنها صورة قاتمة تكشف عطبًا عميقًا في الثقافة السياسية: ضعف الانتماء، وغياب المبدأ، واعتبار الصوت الانتخابي صفقة لا موقفًا. الأخطر من ذلك أن هذه الممارسات تزرع اليأس في نفوس الناخبين الصادقين، الذين يخرجون إلى صناديق الاقتراع وهم يتساءلون: هل لصوتنا قيمة حقًا، أم أن النتيجة حُسمت مسبقًا في دهاليز المال السياسي؟
الانتخابات لا يمكن أن تكون نزيهة ما دامت الجيوب تتحكم في العقول، وما دام البعض مستعدًا لبيع قناعاته عند أول عرض. هنا لا ينتصر البرنامج ولا الكفاءة، بل ينتصر «من يدفع أكثر».