عبد الامير الحصيري . .. الشاعر والمأساة
ثلاثون عاما على رحيله 1942 - 1972
عبد الكريم الحلو
من المؤسف حقا ، ان نرى شاعرا يتوقد لديه العنفوان الشعري ، وتصبح قامته عالية تمتاز بخصوصية الابداع ،، ومن بعد حين وفي اوج اثرائها وعطائها تسقط هذه القامة وتنطفيء هالتها بوقت مبكر وذلك لاسباب عناد فوضوي يقترفه الشاعر دون مبرر ..!
وهذه الحالة قد نجدها لدى كثير من الشعراء العراقيين ، والعرب في ان واحد.. حيث تخلق لدى النقاد شيئا من التأسي المحزن ..!
وعندما نأخذ الشاعر عبد الامير الحصيري ، كنموذج ، نتوقف ازاء مثل هكذا معظلة حقيقية قد تكون غامضة ومعقدة في بعض الاحيان .. لكنها قد لا تكون مقنعة حين يصرح بها الشاعر ووفق قناعته .
ان ثيمة الاغتراب التي تسيطر على الشاعر – أي شاعر- وتغير من سلوكه بشكل شامل .. فد تكون العامل الاهم في انطفاء شعلة حياته وبوقت مبكر ان لم يسيطر على ريحها الخطرة .. حيث يكون بعدئذ الانفصام عن الذات والعالم .. فقد عرف عن الشاعر الحصيري
وقبل مجيئه الى بغداد ان ( شكله وطريقة مشيه واسلوبه في الحديث مما
يلفت اليه الابصار ) –عبد الاله الصائغ/ذكريات الصحبة/الاقلام-العدد1985)
.. أي ان الحصيري ومن خلال تطلعاته الاولى ، كان يتمتع بشخصية متوازنة .. تؤدي وظيفتها مع الاخرين بذكاء وفطنة .. ولم يعرف عنه غير المطالعة .. والمشاكسة في مداخلات الجدل الادبي وا لشعري والثقافي .. وكذلك كان يتميز بحياء اخلاقي يتصف يالمرونة العالية . .! **
..عندما هبط الشاعر الحصيري في المدينة ( بغداد) والتي راها اذ يحتدم فيها صخب الحرية .. والمتلفعة بوشاح الثقافة.. ضاع عبر متاهات اضوائها الخافتة وباراتها ومقاهيها المكتظة باصوات الادباء والشعراء والمثقفين ونام في فنادقها البائسة والتي ياوي اليها المتسكعين والمشردين والصعاليك والبسطاء . .. حيث
وجد الحصيري ضالته ومن خلال هذا الضياع والغوص في فوضى المدينة .فوجد نفسه محاطا بعالم يختلف تماما عن العالم الذي كان يعيشه في النجف المدينة المحافظة .. فتالف مع هذا العالم المتناقض
ولكن بطريقة معاكسة فوقع فريسة للاغتراب الاجتماعي والنفسي
او ما يطلق عليه علماء النفس ب ( الانشقاق الداخلي للذات) مما تسبب في الضغط على حياة الحصيري كشاعر وكانسان وسلب منه حياته و بعد ان اصبحت هذه الحياةتعاني من الجوع والقلق والاضطراب :
اجائع ؟ أي شيء ، ثم ياقلق
امن حطامي هذا يمطر العبق ؟
اذا تصببت روحي دونما تعب
يطغي تلظي هواك القائم الخفق
ا ن كنت تحلم في قلبي فان دمي
من جوعه بات فيه الجوع يحترق
الم يشردك تشريد يمزقني
عيناي اظفاره العمياء تاتلق
قلبي الجحيم اثيمات الشرور به
معذبات!! فما اذنبت يا قلق
اخشى عليك دمي الواري وان يك في
اطرافه حلمك الريان ينسحق
مازلت طفلا غريرا كيف تقربني؟
انا التشرد والحرمان والارق ؟!
انا الشريد!!لماذ الناس تذعر من
وجهي؟ وتهرب من اقدامي الطرق
ويقول:
وكنت افزع للحانات تشربني
واليوم!!لو لمحت عيني تختنق
فبت امضغ اعراقي واوردتي
وارتوي من جراحاتي وانسحق
شنقت قلبي على احلامه فاذ ..
بها، وضحكتها الخضراء تنشنق
وجبت حتى زوايا الغيب اليس صدى
فيها يروي صدى نفسي ولا الق
زرعت حتى اصطخاب الموج في شفتي
ضحكا ولم يبتسم خفاقي الارق
العري اذهله شاني فجن على
شفاهه الف سؤال، كيف ينطلق !
**
والشيء الغريب .. ان الحصيري حين وجد ذاته وهي تتحرك عبر مرأة حياته وتعكس صورته المزريةوالمشوهة امام الاخرين الذين يعنرفون به كشاعر لايأبه بما يتلقاه من نقد وازدراء .. ومما يبدو انه رضي بالصعلكة والتسكع البويهيمي كمبدأ من مباديء حياته الخاصة والتي قد توفرله هذه الحياة الطمأنينة !!
.. ولكن بالرغم هذا الهوس الفوضوي الذي كان يسيطر عليه .. الا ان تدفقه الشعري كان زاخرا وقصائده تسيل مع الخمرة التي يحتسيها صباح مساء ولاتفارق اعماقه .. انه يرى ان ملاذه الوحيد وخلاصه الاكيد حين تكون قريحته مبللة بالاسرة ... وحين تراه وفي وقت مالم يذقها ولو ليوم واحد .. فانه يصبح في ضياع مدمر لا يستكين .. فاما ان يستدين ثمنها من بعض اصدقائه .. او يبيع يعضا من قصائده لمن يريد ان يصبح شاعرا بين ليلة وضحاها .. واما الذهاب الى أي حانة يبحث عن وجه يعرفه ليعطف عليه بزجاجة صغيرة من ماء حياته .. اذا هو لا يستطيع ان يكتب بيتا واحدا ان لم يرتوي :
لك كؤؤس بمقلتي كؤؤس
ويلص عصر صباحك التعبيس
في كل ثانية يدق مشنجا بجحيم شوقك في دمي ناقوس
ماذا جنين؟لم تمنعني متولها
عبقا به حتى الصـــــــــــــــــخور تميس
قسما بنارك .. ما حييت فانني بخمور احقر حانة قسيس
افنيت عمري في شذاك مسبحا
لو كا ن ينفع عندك التقديس
عذل الماة نفوسهم .. فملامهم
حطب يشب به الهوى المحبوس
**
لقد كان عالم الشاعر عبد الامير الحصيري الشعري، عالما له اثراؤء
المبدع والذي يتمتع بجدارة اللغة وجعلها مطواعة لديه ومن ثم كيفية
بنائها ووفق منواله الشعري الذي يتجانس مع المشهد الواحد او المشاهد المتسلسلة .. فهو بارع في اختيار البحر الذي ينساب عبر ايقاعاته التي تشكل تناغماجديرا في البيت الواحد .. وهذا مما دعا بعض النقاد على ان يجعلوا الحصيري في مصاف المتقدمين من الشعراء وذلك لما كانت قصيدته تقترب من منا.خات هؤلاء الشعراء.
لكن قصبدة الحصيري بقيت تحمل سماتها الخاصة وتفردها و ضمن مواصفاتها ومعالم دلالات معانيها وهو يقتخر بهذا :
انا ابن الشعراشرب مقلتيه ويطعمني الحياة براحتيه
فتفيض في روحي من دماء دماء قد اجرين بجانبيه
ويورق في فؤادي جناحاه ويمرع جانحاي بجا نحيه
لقد وهم الانام اذا نموني لغير غراسه وسوى يديه
انا ابن الشعرقبلي كان يبكي دموع الحزن تشرب بسمتيه
تجاعيد السنين على رؤاه تكاد تبوح تعتك ما لديه
فكنت عزاؤه اما راني تمشت نشوة في جانحيه
انا ابن الشعر لم الف سواه
ولم يبصر غناي بسكر مسمعيه
ومن قصيدة اخرى:
عريشك يا ليل في ناضري
قرار الكرى بالطموح الشريد
تزينه حمرة السهد وردا
تفتح غصن في صمت الوهود
هو الشوك ينسل في لعظمي ويمتص نفح من وريدي
ولم تتنفس شهيقي الذنوب
ولا زان صدري وسام الجحود
ولا هنأ الليل يوما رؤاه
بوجهي ولا خاف راسي جيدي
**
ان هذا الشاعر الشريد الذي اتخذ التشرد سلوكا له وواجه شغف مرارة
الحياة وواقعها المزري بكبريائه الشعري والذي توشحت به قناعته .. لم يحقق غا يته التي رسمها في هاجسه وبالطريفة التي اراد .. لقد اصبحت هذه الغاية موصودة امامها كل المناقذ نحو طموحه الكبير فاصبحت الخمرة ملاذه الوحيد الذي يداوي فجيعته واوجاعه ، فلا خلاص فقد اودت به الى نقطة التهافت فاوقفته في محطته الاخيرة!
ان مأساة الحصيري – الشاعر والانسان- ترك من ابداع يطالعه الشعراء على مر الزمن .. فهو صورة تجسد توهجا ارتفع الى حد العنفوان الذي لم يبلغ مداه ثم ... انطفأ ..!
*****
قصــــــــــــــــــــــــــــــــــــائد
المعول الاعمى
عيني جرح؟ وترب نعليك صبح؟!
وفي يديك جنان وفي فؤادي فح؟!
ياقسمة قد براها لفح الظلام الاسح
انجمة؟ام سنان؟ به تزين رمــــــــــح
وبسمة ام دموعا على ماقي تصحـــــوـ؟
يا شهقة في ظلوعي قد حاذر الفحم قدح
تشنجي يا صحارى عبق السحائب ملح
لتعجعي يا صواري فالبحر سل، وقيـــــــح
ابزهر الروض لحنا و(حاتم) النور شــــــح
ويرصد الومض سهد؟ وهادر الرعد لفـــــــح
اسربت فوق دموعي وليس ثمة سفـــــــــح
وكل نجم بعيني لفيلق الياس فتــــــــــح
وكل صوت بنفسي من ناب رقطاء نضح
***
ابسمــــــــــــــي
ابسمي فالحياة تبسم للورد ، للندى للضياء
وتحييك كلما شقت للشمس شعاعا يضم صدر الفضاء
ابسمي فالفؤاد تحت سياظ العين غض مهدد بالفناء.
وحناياي تسكب الدمع في الاجفان نجوى نبث سر الشقاء
ابسمي ليتني بثغرك اضواء تمص شهد الوفاء
ليتني نسمة تدغدغ نهديك فاحضى بنيتي ورجائي
ليتك تصبحين زهرة روض وانا ظله لدى الفجر اهوي
لنناجيك في هدوء بعيدا عن عيون الورى،اعب واروي
وليشع السناء عند ارتحال الفجر حتى اذوب بين الشعاع
ليس يبغي الظمان غير ارتشاف الماء من منبع الحياة المشاع
ليتك تصبحين اغنية شكرلا تروي مسامع الاغراء
انا انغامها تشيع، وموسيقى غرام غريبة الاصداء
ابسمي ابسمي وكوني ضياء الفرح الحلو في جفون الصباح
وسناء ، يكفل الليل ، حتى تصبحي بلسما يداوي جراحي
ابسمي فالحياة تبسم للورد ، المندى للضياء
وتحييك كلما شقت للشمس ضياء يضم صدر الفضاء
يا ام هـــــــــــــــــــــــــارون
يا ام هارون ان شطت مسارينا
فليس ذلك من عقبى ايادينا ؟!
ان غاد تك رؤوانا غير هانئة
فما رمتها على سفح ماقينا
فقد زرعنا بمخضل الثرى ولها
احشاءنا وتركنا فيك هادينا
وموج(دجلة)رقراقا يوشحه
ذوب الشعاع الذي ينصب تلوينا
لو اما الخلد يغرينا بجنته
لكان عنه زقاق منك يغرينا
اطيان شاطيئك الاغوى .. تزهدنا
بارضها فرشت أسا ونسرينا
ورمله في ظلال الشمس منسفح
مساكبا بمذاب التبر تضمينا
اشهى واعذب من كرم ، ملائكة
تدور في نفحه الاصفى وتسقينا
يا (ام هارون) عام قد مضى بخطى
تقودها طرق موتى بداجينا
خطى،صدى ذكرك المعبود ، يشنقها
على لظى فيه قد ظلت مسارينا
ولو تخلى مسيح الشوق مابعثت
اغفاءة الامل الازهى تمنينا
عام مضى .. كل يوم فيه مرحلة
للمنتهى فوق ظهر النمل سارينا
مضى وانت على افقنا افق
لو نلمس النجم لم تلمسه ايدينا
نعدو اليه هياما كي نقبله
حتى اذا جفت الابعاد يجفونا
حتى يدمي لثم الوهم-يخلفه-
شفاهنا ، ويكد السخر زاهينا
لما نكن قارفي ذنب ليمنحنا
هذا الجفاء ،ولم ترحل ممارينا
وكي يرف سرابا في نواظرنا
ما ان تخف له حتى يجافينا
****
تشرين يقرع الاجراس
لغة النهار تقحم وفداء
نار وضاء حروفها ,, ودماء
الخاتم السحري في ابوابها
حذر التيقظ ..ماتشاء يشاء
في عرفها الخرس الاسم فصاحة
لم تستوعبه معاجم شمطــاء
تسعة الصقور على خيال ندائهاال
اخفى،ويثمر سرها الايماء
وتظل ابواق الظلام كليلة
تدعو،ويطمر صوتها استهزاء
*
لغة النهار ربيعها متفتح
في كل عصر شمسه سوداء
يجري برونقها الصبي ا شذائه
قيظ، ويمطرها البريق شتاء
ارست ممالكها رماح معارك
بالامس ،فاستبقت لها الشماء
يشفى بها عنها الظلال ، ويختزي
شرك الدمار ، ويستبي ، ويساء!!
لم يستجب حلم لاية بقعة
رحلت بها لكهوفها الظلماء
لو لم برد سحر رنين رنينها
فيصاغ منه لها فم وضاء
يتحدث الاشراق في كلماته
افقا ، تجن للمحه الاحياء
ويكتن الشجن الجريء جموحه
كي لا تراه اظالع عجفاء
البرء عاجلها ببلسم وقعه
لله ماذا تفعل الاصداء
مرعى لاضداد الحياة هتافها
ومنازل تاوي لها الاهواء
*
&nb