الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العمال ومدوّنة الأحوال الشخصية الطائفية

بواسطة azzaman

العمال ومدوّنة الأحوال الشخصية الطائفية

سمير عادل

 

لا يمكن للعمال أن يتخذوا موقفًا لا أباليًا إزاء المدوّنة الطائفية التي جرى تمريرها يوم 27 آب 2025، لتصبح جزءًا من قانون الأحوال الشخصية، الذي يجيز تصنيف المواطن قبل كل شيء على أساس الدين والطائفة والجنس.

وإلى جانب ذلك، فإن هذه المدوّنة بقدر ما تحطّ من قيمة إنسانية المرأة، فإنها تحطّ أيضًا من القيمة الإنسانية للرجل. فإذا كانت المرأة، بموجب هذه المدوّنة، تُعامَل كجارية ويُسلب منها حقّ المساواة وتُعامَل وكأنها كائن من الدرجة الثانية، فإنها في الوقت ذاته تُحوّل الرجل إلى حيوان مفترس، همّه الوحيد إشباع رغباته الجنسية، تحرّكه الغريزة الحيوانية، ويتجوّل في المجتمع كما لو كان غابة يحكمها لا مجتمعًا إنسانيًا متساويًا.

إن العامل، في أي قطاع كان، صناعيًا أو خدميًا، لا يتقاضى أجره أو راتبه على أساس دينه أو طائفته. وفي المقابل فإن ربّ العمل، سواء كان مجلس إدارة أو رأسماليًا عراقيًا أو أجنبيًا، يوظّف ممثليه السياسيين في البرلمان والحكومة لتشريع القوانين التي تخدم مصالحه، وتحافظ على أرباحه، وتؤمّن حماية استغلاله بغطاء قانوني. وأي قانون لا يخدم هذه الطبقة البرجوازية لن يمرّ في البرلمان. إن أكثر ما يرعب هذه الطبقة هو وحدة العمال ووعيهم بمصالحهم المستقلة، ومن هذه الزاوية يجب على العمال أن ينظروا إلى هذه المدوّنة الطائفية. فهي ليست سوى خطة جهنمية لزرع إسفين طائفي بين صفوف العمال.

إن العمال، مهما اختلفت أديانهم ومذاهبهم، يخضعون جميعًا لنير الاستغلال ذاته. وإذا وعوا مكانتهم الاجتماعية كطبقة منتِجة تحرّك عجلة المجتمع وتزوّد الطبقة البرجوازية بـ”الأوكسجين” الذي تبني به سلطتها، عندها يستطيعون تحويل الجحيم الذي تغذّيه البرجوازية—جحيم الفساد والنهب والاستغلال، والعالم المقلوب الذي نعيش فيه—إلى جنّة يعيش فيها كل أفراد المجتمع بكرامة ومساواة.

إن سياسة التفرقة بين العمال، على أساس الدين والطائفة والقومية والعرق والجنس، هي أخطر الأسلحة التي تستخدمها هذه الطبقة الطفيلية عبر ممثليها السياسيين لضرب وحدة العمال. والمدوّنة الطائفية ليست إلا واحدًا من هذه الأسلحة. فلا يمكن لهذه الطبقة أن تسيطر على المجتمع وتُديم فسادها ونهبها واستمرارها في السلطة، إلا عبر تفتيته وإغراقه في تصنيفات وهمية ومزيفة: دينية وطائفية وقومية وعرقية و جندرية.

والمجتمع الممزّق يسهل ترويضه. ألسنا قد عشنا تجربة الحرب الأهلية بعد تفجيرات سامراء في شباط 2006؟ ألم تستهدف القاعدة مساطر العمال؟ ألم تقتل العصابات والمليشيات الطائفية العمال بدم بارد؟ هل سمع أحد أن قادة الحرب الطائفية (امراء الحرب)  في البرلمان، الذين اتحدوا معًا لتمرير تلك القوانين المقيتة، قد خُطف أو قُتل أحد من أبنائهم على يد المليشيات السنية أو الشيعية، من جيش المهدي إلى العصابات المنبثقة عن القاعدة؟ إن استهداف العمال لم يكن إلا وسيلة لترويض المجتمع، ولنقل الصراع الطائفي إلى وعيه الاجتماعي.

 وفوق ذلك، فإن هذه المدوّنة لا تفرّق فقط بين العمال على أساس الدين والطائفة، بل تزرع أيضًا التمييز بين الرجل العامل والمرأة العاملة، فتقوّض أسس المساواة بين العمال وتفتّت وحدتهم. ولا يمكن الحديث عن المساواة والحقوق العادلة للعمال دون مساواة المرأة العاملة وضمان حقوقها الكاملة.

وأخيرًا، فإن مسؤوليتنا نحن العمال أن نقف في الصفوف الأمامية للإطاحة بهذه المدوّنة الطائفية المقيتة؛ المدوّنة التي تتقيأ منها الرجعية والتعفّن والطائفية وكل أشكال التخلف. مدوّنة تنال من إنسانيتنا جميعًا، نساءً ورجالًا، وتشرّع لتفتيتنا كطبقة عاملة قبل تفتيت المجتمع، من أجل ديمومة سلطتهم ونظامهم الفاسد.

بوحدتنا نحن العمال، وبوعينا الطبقي، وحده يمكن أن نصنع عالم الحرية والمساواة. فلا حرية ولا مساواة في مجتمع يقوم على التصنيفات الطائفية أو أي تصنيفات أخرى زائفة.

 

 

 


مشاهدات 111
الكاتب سمير عادل
أضيف 2025/09/09 - 3:17 PM
آخر تحديث 2025/09/10 - 6:58 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 207 الشهر 6766 الكلي 11424639
الوقت الآن
الأربعاء 2025/9/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير