الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
جريمة الأنفال.. موسم حصاد الزهور والطفولة

بواسطة azzaman

جريمة الأنفال.. موسم حصاد الزهور والطفولة

صباح زنكنة

 

لم تكن جريمة الأنفال مجرد عملية عسكرية كما حاول الطاغية أن يبررها، بل كانت موسم حصاد دموي زرع فيه صدام حسين حقده في أرض كردستان، ليقتلع أرواح بريئة  كما تُقتلع الأعشاب اليابسة.

 كانت أرضا خضراء تنبت بالحب والقمح والكرامة وغناء الفلاحين والرعاة ، تم حرثها  بالجرافات العسكرية لا بالمحراث الفلاحي، وزرقة  السماء التي تظلل القرى غدت غيمة صفراء وحمراء خانقة بحمل  غازات السم الحقدة لا تجرف السعادة والبراءة وتبيد كل شيء.

اللايام هذه تصادف ذكرى المراحل الاخيرة لحملة الانفال الصدامي بحق ابناء كوردستان  وكانت من اقبح الحملات والتي سبقتها حملة ابادة وتهجير الكورد الفيليين في بغداد والوسط وتلتها حملة ابادة الشيعة والمقابرة الجماعية في الوسط والجنوب .

مرآة الوجع

أيام، لم تكن كردستان مجرد جغرافيا، بل كانت مرآة للوجع والالم العراقي كله.

نساء يحملن أطفالهن هاربات  من الموت الذي لا مفر منه، اذ  لم يجدوا  غير موت آخر ينتظرهم في الوديان السحيقة .

رجال أُخرجوا من بيوتهم إلى مجازر مروعة كما تُساق الأغنام وقُرى كاملة صارت اثرا بعد عين ولم يُسمع لها خبر.

الأنفال لم تكن حرباً بل كانت حملة بل حفلة إبادة جماعية تُدار بدم بارد، كأنها مجرد “عملية تطهير ” في دفتر الطاغية الأسود.

ولم تكن حلبجة استثناءً من هذا الجنون، بل كانت ذروة المأساة في ربيعها الموعود وقد هطلت السماء موتاً حين تساقطت القنابل الكيماوية على المدينة لتبيد في ساعات اكثر من خمسة آلاف إنسان جلّهم من النساء والأطفال.

الشوارع امتلأت بجثث اسر  كاملة، وعوائل شُطبت اسمائها من السجل المدني ،الطيور هي الاخرى سقطت من أعشاشها، وأشجار الرمان والجوز التي كانت تزين البيوت والجبال تيبست وصارت شواهد على مقبرة مفتوحة الشهية .  حلبجة لم تكن مدينةً تُباد فقط، بل كانت إعلاناً صارخاً بأن الطاغية قادر على تحويل الحياة إلى رماد في لحظة.

صدام لم يكن يقتل الكرد وحدهم، بل كان يقتل معنى كلمة المواطنة، ويغرس الخوف في قلب العراق كله.

حياة الناس تُمحى عنده بقرار، والقرى والمدن يمكن أن تختفي من الوجود بجرة قلم.

تظاهر بالصمم

 صرخات الأطفال تحت سحب الغاز لم تكن تصل إلى آذان العالم، الذي تواطأ بالصمت أو تظاهر بالصمم!!.

لم تترك الأنفال جثثاً فحسب ، بل تركت ندوباً في ذاكرة الأجيال، فكل بيت كردي يحمل قصة غياب وصورة شهيد لم يعد أو ثوب طفلة بقي شاهداً على موت جماعي.

صدام رحل، لكن الأنفال لم ترحل، فهي باقية في الصور المعلقة على جدران البيوت، في أسماء القرى التي لم تعد موجودة، في ذاكرة النساء اللواتي فقدن ازراجهن وابنائهن ، باقية في كل سردية تتحدث عن دولة بوليسية دموية حولت مواطنيها إلى أعداء بنبغي محوهم دون رحمة.

الأنفال ليست قصة كردستان فقط، بل قصة العراق الذي سمح أن يصبح ملعباً لطاغية معتوه أعمى، اعتقد أن بإمكانه أن يبني مجداً على أنقاض الأجساد البريئة ، لكنه لم يدرك أن الدم مهما جف سيظل شاهداً أبدياً على جريمة لا تزال بصمات دمائها على جدران الذاكرة.

 


مشاهدات 73
الكاتب صباح زنكنة
أضيف 2025/08/26 - 2:18 PM
آخر تحديث 2025/08/27 - 1:20 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 35 الشهر 19119 الكلي 11414205
الوقت الآن
الأربعاء 2025/8/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير