الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة لقصيدة: لا تكن الا لي للشاعر  رياض ابراهيم الدليمي 


قراءة لقصيدة: لا تكن الا لي للشاعر  رياض ابراهيم الدليمي 

 نادية عوض

 

قصيدة "لا تكن إلا لي" تأتي كصرخة متوهجة بالعاطفة، تستحضر لغة الوجد والحنين في أسمى تجلياتهما. هي ليست مجرد بوحٍ شعري، بل إعلان عشقٍ مطلق، يتجاوز حدود الرغبة ليصوغ شريعةً خاصة، أن يكون الحبيب عالمًا كاملًا له لا يُشاركه فيه أحد.

 اللغة والصورة الشعرية،

يعتمد الدليمي في نصه على لغة حسّية، مشبعة بالمجازات والرموز. مثل: "صهيل أشواقي، كؤوس الآهات، زرع الوجع، ورد خدي، نبيذ شفاهي" تفتح النص على فضاء بصري ووجداني متكامل، حيث تمتزج العاطفة بالجسد، والروح بالمكان، في وحدة تصويرية متدفقة.

الصور الشعرية تأتي متوالية، يرسمها الشاعر بكلماته بمهارة المبدع متراكبة، متلاحقة كأنها لوحات تترجم شدة التعلق وحرارة الانفعال.

 

ثنائية الغياب والحضور

القصيدة تُبنى على جدلية واضحة: حضور الحبيب بوصفه مركز العالم، وغيابه بوصفه موتًا معلّقًا: "يا جفني المعتصم بالأرق، يا فطيم سكراتي"؛ هي عبارات تؤكد أن الحبيب هو سبب الألم والدواء معًا.

الغياب يثير الحرمان، لكن الحضور يحوّل كل شيء إلى حياة مكتملة، وهذا ما يخلق التوتر الدرامي داخل النص.

النص يفيض بتيار عاطفي متصاعد، يبدأ من رجاء ملحّ، ثم يتحول إلى وصايا حبّ، ثم يعلو في النهاية إلى نشيد امتلاك مطلق.

يتخذ الخطاب الشعري، البعد الرمزي والفلسفي بين السطور 

ووراء الكلمات الحسية، يطل بعد فلسفي عميق ،الرغبة في الوحدة الكونية. حين يقول: "أحزمك شغاف قلبي، أشيد لك حضنًا معروشًا بطيب المسك"، فهو لا يكتفي بالحب كعاطفة، بل يجعله كيانًا بديلًا عن العالم، كونًا موازيًا يُلغي الغربة ويعيد الوجود..

 

قصيدة "لا تكن إلا لي" ليست مجرد بوح عاطفي، بل هي بيان عشق مطلق، يعلن فيه الشاعر ملكيته الروحية والوجدانية للحبيب، وتحوّل الغرام إلى قدرٍ واحد لا يتكرر.

هي قصيدة عن الحب كقوة وجودية، والغياب كهاوية لا خلاص منها، واللغة كجسر يربط بين الروح والجسد، بين الحلم والحقيقة.

 بهذا، تبدو قصيدة رياض دليمي مثالًا على الشعر الذي يمزج بين العاطفة العاصفة والرمزية الكثيفة، لتصبح تجربة شعورية متكاملة..

خيال الشاعر في هذه القصيدة يتحوّل إلى عالم حيّ، حيث تمتزج العاطفة بالرمزية، ويصبح الصوت الأنثوي الذي يتحدث إليه كمرآة لرغباته وأحلامه. يتجلّى الحب في كل كلمة تصدر منه، فيشعر بأن الأنثى ليست مجرد شخصية، بل حضور روحي يحيي وجدانه ويوقظ مشاعره العميقة. يخاطبها الشاعر كما لو كانت جزءًا من كيانه، فتتداخل حدود الذات والآخر في فضاء شعوري مشبع بالحنين والرغبة. هذا الصوت الأنثوي يسمح له بالاستغراق في حلم مشترك، 

 

حيث يكتشف ذاته من خلال الاخر

البعد السيكولوجي في القصيدة لا تكن إلا لي

تتأسس القصيدة على نبرة عاطفية ملحّة، تكشف عن صراع داخلي بين الحب كحاجة وجودية والخوف من الفقد أو الخيانة. فالشاعرة/الأنا المتكلمة بصوت أنثوي تطلب من الحبيب أن يكون كلّه لها: نظره، سمعه، شربه، وانتماؤه. هذا الإلحاح النفسي يعكس حالة من التعلّق الشديد، الذي يصل إلى حدود الامتلاك العاطفي.

 

من منظور التحليل النفسي، يمكن القول إن الخطاب الشعري هنا يتجسّد كـ إفصاح عن لاوعيٍ مفعم بالقلق والغيرة، إذ يظهر الحبيب وكأنه مهدّد بالابتعاد أو الانشغال بسواها، فتأتي اللغة كوسيلة دفاعية:

 

لا تكن إلا لي هي آلية لإثبات السيطرة على موضوع الحب.

 

لا تنظر إلا لعذراك هي خوف من مشاركة النظرة مع أخرى.

 

لا تسمع إلا صهيل أشواقي هي رغبة في إلغاء الأصوات الأخرى التي قد تزاحم صوتها.

 

هذه التكرارات اللفظية تكشف عن هاجس التملك النفسي، وعن حاجة عميقة إلى الطمأنينة العاطفية.

 

من زاوية أخرى، القصيدة تعبّر عن ازدواجية المشاعر، فهي تحمل في ظاهرها لهفة الحب والرغبة في الوصل، لكنها في عمقها تكشف عن هشاشة عاطفية، حيث ينقلب الحب إلى مطالبة صارمة قد تولّد التوتر. هذا يضعنا أمام صورة امرأة عاشقة، لكنها في الوقت ذاته أسيرة لقلق داخلي من الهجر.

ف البعد السيكولوجي للقصيدة يتمثل في كونها نصًا يحاور اللاوعي العاطفي للإنسان، ذلك الجزء المليء بالاحتياج، الغيرة، والخوف من الفقد، وهو ما يجعلها قصيدة نفسية بامتياز، تتجاوز الغزل التقليدي لتدخل في منطقة الصراع النفسي بين الحب كعطاء والحب كامتلاك.

لا تكن إلا لي 

قصيدة الشاعر رياض الدليمي 

 

لا تكن إلا لي

لا تنظر إلا لعذرائِكَ

ولا تسمع إلا صهيل اشواقي

لا تشرب إلا من كؤوس الاهات .

من لكَ سواي تُعمدُ سماءَكَ

وتغشي عيونَ نسائِكَ ؟

من تقطعُ كفها بالحنين ؟ 

قلبها يعد ليالي الهجر

وفصول جفائِك .

يا طفل ملهاتي

وعذاباتُ ولهي

اناجيك يا زرعَ الوجع

يا وردَ خدي

ونديم خصلاتي ،

يا جفني المعتصم بالارق 

سئمت دموع الليالي

وولولات الاماني ،

يا فطيمَ سكراتي

وغيمي الحالكِ بالعَبرات ،

تعال .... أحزمكَ شغافَ قلبي

أُشيدُ لكَ حضنا معروشا بطيب المسك

وبساتين كرومٍ وأعنابٍ

ونبيذٌ اكتنزتهُ شفاهي 

كم تمنيتُ ان لا تفطم منه

حولين ... عقدين

او دهور .

يا ساقي ثوراتي بالجنون

حررني من نفسٍ راودتْ ظلَّكَ

وخانها الرجاء .

هكذا سمعت ليلى تمتم هذه الكلمات

وأنا خارج من جلباب الفجر .


مشاهدات 190
الكاتب  نادية عوض
أضيف 2025/08/21 - 4:46 AM
آخر تحديث 2025/08/22 - 12:32 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 313 الشهر 15774 الكلي 11410860
الوقت الآن
الجمعة 2025/8/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير