الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العشائر .. ونحن .. والعراق

بواسطة azzaman

العشائر .. ونحن .. والعراق

جاسم مراد

 

لم تكن هي العشائر التي عرفناها ، ولا هي العلاقات الاجتماعية السائدة ، فمنطق اللاوعي ، بات يزحف لمصادرة الانسان ، فكراً ، وجسداً ، وحياة ، فلم يعد المنطق ولا الحكمة العشائرية التي عرفناها ، ولا الجيرة ، ولا القربة ، هي السائدة ، فكلما يحدث الخلاف بين جار واخر ، يحدث التصادم ، وكلما حدث سهواً التصادم بين سيارة وأخرى تحضر العشائر ، وكلما مات مريضاً أو مريضة في المستشفى تبدأ التهديدات باسم العشائر ، حتى بات رجل الشرطة يتهيب من ملاحقة معتدي أو القبض على سارق خشية من ان يصيبه مكروه وتحضر العشير ، وتبدأ المساومات بحضور الشيخ أو السيد بملايين الدنانير ، ومن لا يملك فهو رهينة أما ينتهي عمره قبل اوانه ، أو تجمع له عشيرته لكي تتخلص من مهاوي الردى .

يقول الدكتور عبد الغفار مكاوي في سرديته عن ملحمة كلكامش ( إذا ما فاتت لحظة العقل الهدوء والعمل والجهد والابداع والتطور المكاني فأنه لا يمكن الإمساك بها بعد ذلك ) وهكذا عندما يصبح التمسك بالتقاليد العتيقة والفراغ الحاصل بين قوة الدولة وممارسات وقوة العشيرة ، يصبح ليس بالإمكان التحكم بهذا الانفلات .

الان عندما نسمع ونرى ، إن طفلاً في محافظة كربلاء تم ذبحة على يد ابن عمه ، وان مجموعة من الناس تهجم على مستشفى الهلال الأحمر في المنصور كون امرأة انتهى حسابها عند الله في الحياة نكون فعلاً خائفين على البقية من الذين اختاروا العمل من اجلك واجلي واجل الناس والوطن ، هنا لابد من التوقف لكي نتساءل ، هل نحن بعدما غادرت الكونية نحو التطور والعمل والبناء ، نعيش عصر الانحطاط الفكري والسلوكي والأخلاقي ، وإلا ماذا يمكن ان نسمي بأن عشيرة اغارت على عشيرة أخرى مستخدمة الأسلحة المتوسطة والخفيفة وسقط بين الطرفين اعداد من القتلى والجرحى .

ثم لابد من التساؤل ، عندما يبدأ الخلاف في المقهى بين رجلين ، يتم التهديد بإعطاء ( العطوة ) أي المهلة لمدة ثلاثة أيام لإحضار عشيرته ، وإلا سيحدث ما لا يتوقعه ، وهنا يبدأ الفصل الذي يكسر الظهر .

ليس سهلاً على كل عراقي أينما تواجد ، ان يسمع بان قتالا نشب بين هذه العشيرة وتلك وراح ضحية ذلك عدداً من الشبان ، هنا نلتفت الى الدول المجاورة ، وهي ايضاً مكوناتها مبنية من العوائل والعشائر والجماعات ، فلم نسمع عنها بان عشائرها تصادمت مع بعظها البعض ، أم ان العراك بين افرادها تطور الى صراع قبلي وعشائري ،  فلماذا اذن هذا الذي يجري في مدننا ، وماهي أسبابه ..

في البدء لابد من التذكير ، بأن صراعات الغلّبة والسيطرة على الأرض والمراعي  كانت تجري بين البدو الرحل وحتى بين الجماعات في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ، خاصة عند الجماعات البشرية القادمة من الصحراء العربية الى بلاد مابين النهرين بغية التوطين والحصول على مواطئ قدم .

ولكن مع اشتداد عود الدولة العراقية وقوة النظام تراجعت هذه المواقف والاحداث ، وكلما تقوى الدولة ويصبح للسلطة كلمتها وللقانون حضوره ، اصبح اللجوء لهذه المنازعات امراً معدوماً أو على اقل تقدير نادر الحدوث .

لابد لنا من تشخيص الخلل ، بعد الغزو الأمريكي للعراق ، واستباحة كيان الدولة بكل مؤسساتها ، وبالخصوص المؤسسات العسكرية والأمنية ، أصبحت البلاد مكشوفة لكل ما هب ودب ، وبما إن العشائر استخدمها النظام السابق ، بعد الانتفاضة بغية توظيفها في المواجهات وفي كشف مصادر الخطر ، سيما بعد هزالة الموقف الحزبي للنظام ، جاءت الأحزاب والقوى البديلة لتجد امامها الساحة مفتوحة ، خاصة بعد خلو البلاد من تكوينات حزبية ومنظمات نقابية ومهنية ، لكون النظام الذي سقط لا يسمح بالمطلق لأي تكوين سياسي ونقابي خارج إرادته وسلطته ، حتى النقابات العمالية العراقية التي كانت من اقوى وانشط النقابات العربية ، فرغها من محتواها ، واصدر قانون توظيف العمال بدلاً من تعزيز دورهم النقابي في العمل .

في ظل هذا الوضع ، نظام ضعيف وقوى وأحزاب في طور التكوين ماعدا الحزب الشيوعي وحزب الدعوة والأحزاب الكردية ، والأحزاب العروبية والقومية والناصرية مقموعة ومحاربة في كلا العهدين ، في ظل هذا الوضع انتعش دور العشار ، واصبح رأسمالها قويًا في سوق المزايدات بين الأطراف السياسية ، وأصبحت سياسة النظام المبنية على الطوائف والاعراق والمحاصصات من أهم مزارع العشائرية رواجاً .

والان إذا لم يكن هناك نظاما وطنيا قويا ، يعتمد على القانون وسلطة الدولة وقوانينها القوية ، تبقى العشائرية تعبث بالدولة والمواطنة وحياة الانسان ، ويبقى الوطن مشغول بهذه المواقف والسلوكيات ، وتبقى الحالة الراهنة التي تحولت للتهديد بالعشائر بدلاً من اللجوء للقانون ، ويبقى السلوك المنفلت في تهديد الاخرين على قضايا قبيحة . فالطائفية والمحاصصة هما مزرعة المعتاشين على المشاكل ، وهما درب النهابين للمال العام ، نقول ذلك ونحن بحاجة ماسة لسلطة فيها صاحب القرار من يتولى قيادتها ، وليست سلطات المحاور والتنافس اللا مشروع ،نقول ذلك ولا ننسى لست كل العشائر هي مسؤولة عما يجري من اعتداءات واقصاء الحياة البشرية ، وإنما ما نقصده هؤلاء الذين يتباهون بالسلاح المنفلت ويمارسونه بقسوة ضد الاخرين ، فالدولة والسلطة القوية والحاكم الشجاع المعتمد على هيكلية النظام الوطني هو الذي يبني ويطور ويخلق فرص العمل للعاطلين وبذلك ينشغل الجميع بالعمل والزراعة ، وهنا يصبح لامجال للخوشية والأسلحة المتنقلة من مكان الى اخر ، وبذلك يكون العراق ونحن وكل العاملين بأمان ..

  

 

 


مشاهدات 250
الكاتب جاسم مراد
أضيف 2025/08/21 - 4:08 AM
آخر تحديث 2025/08/22 - 1:00 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 318 الشهر 15779 الكلي 11410865
الوقت الآن
الجمعة 2025/8/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير