سعفات نخيل العراق نحتمي بها في رواية " عند باب الأزج " للروائية العراقية " نيران العبيدي "
بغداد لم تعد بغدادنا ص 152
قاسم الماضي
عملت الروائية " نيران العبيدي " في روايتها الثالثة ، والمعنونة " عند باب الأزج " على خطوط متشابكة ومركبة وفيها من التصورات الذهنية المتوجسة والأشياء الخطرة والفوضى التي عصفت بالبلاد .فهي تريد إشعارنا عبر شخوص وأمكنة بغدادية (لا ينظرون لمصلحة الغالبية بل يعطون السلاح لشخص يمتلك صوت أمرأة باهت مثل مرقة الشجرة الباهتة بلا طعم .
" لا اعتقد هناك مستقبل ص)15
وضمن نسيج مبني على تصورات ممزوجة من الواقع والخيال ، ممزوجا بآهات عصفت بالبلاد بعد عام 2003 ، وهي تحيكها مثل حياكة قل مثيلها لما تحمله من مضامين إنسانية ترسلها إلى العالم عبر حورات ذاتية مشبعة بالحزن والمعاني العميقة التي عبرت عن ما آلت حالت بغداد من مآلات عجائبية .
والعبيدي التي تميزت في عملها السابق " الصابونجية " لتكون من الأسماء النسائية في عالم السرد الروائي .تقول .
" لكنهم في نفس محراب فكرهم الممتد لآلآف السنين من زمن اشور وبابل، وهذاهوديدنهم بالتناحر لا ينفكون بالاختلافات وتصفية الآخر.ص 8
هي رواية الزمن العراقي من العام 1128 إلى اليوم الأسود القاني شباط لعام 1963 . تقول القاصة " هدية حسين " نيران العبيدي مهمومة بتلك الصفحات المدونة في بطون الكتب عن بغداد ،يتجاور التاريخي المدون مع الشفاهي بمخيلة كاتبة تزخر ذاكرتها بمفردات الحياة البغدادية .
" ذات الشمس التي اشرقت على بغداد هذه المرة من المغيب لتسلط الضوء على ملابس رثة لطلبة ومريدين يفترشون الارض وغرف دراسة مكتظة بالطابق العلوي للمدرسة مريدون وشيوخ ، عيارون ومستجدون ، سواح هنود وباكستان يحملون طاساتهم من اجل مطبخ الخيرات صورة لا تختلف كثيرا عن الأولى ص 7
منطلقة من إسم محلة " باب الإزج " وهو ممر نفقي كان يستخدمه الخليفة آنذاك للذهاب من قصره إلى جامع الخلفاء لغرض الصلاة في الأعياد وأيام الجمعة .
يوم كان لبغداد أربعة أبواب التي هي باب السلطان الذي كان يقع ضمن منطقة باب المعظم ، وباب الظفري وكان يسمى أيضا بالباب الوسطاني ، والباب الثالث هو باب الطلسم ، أما الباب الرابع فهو " باب كلواذا " ومكانه الان في منطقة ساحة التحرير.
وكان يعرف أيضاً باب " البصيلة " لإشتهار المنطقة منه بزراعة البصل .بالرغم من إنطلاق الروائية عن هذه الفترة الا أنها رسمت معالم بغداد وما تمر به الان .
تقول : من هذه المفارقة " نوري سعيد " استعمل الأشقياء أيضا لتنفيذ أجندته السياسية لقاء أعطاءهم ساحات وقوف السيارات للإيجار، الضحية والجلاد تمارس الأدوار ذاتها .ص15
شخصيات كثيرة وعوائل وأسماء تحمل دلالات لعبق المآضي الذي ظل يراودها لحد هذه اللحظات ومدن تعرّفنا عليها من خلال الكاتبة " نيران " وكنا لا نعرف عنها شيئا الأ من بعضها ،وخاصة من الذين يمرون على ذاكرتنا عبر التناقل الشفهي أو من الذين يدرسون مادة التاريخ .فهذا الباب هو الخلية السردية الموقوتة التي تتشظى بسعة 168 صفحة وبالطريقة الاعتباطية .وباب الأزج تعني محلة باب الشيخ بالعصر العباسي المـتأخر .
وبلغة نافذة إلى قلوبنا استطاعت من خلالها رسم معالم الرواية .عبر شخوصها وامكنتها وكأنها في رحلة معهم ، مستخدمة عنصر التشويق منذ بداية الصفحات الأولى .وعبر استدراجها لهذه الشخصيات وهي تتعامل معهم بحذر لتخلق لنا واقعا مؤلمأ نتيجة العذابات المتراكمة التي أرادت منها على وجه الدقة رسم معالم البلاد . تقول " : -
لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع "
أو خير ممن قام لله راكع ص 5
أو إيصال هذا العذاب ليكون مادة لجميع الأجيال التي تريد ان تعرف هذا التاريخ القابع تحت سلطة الموت والغدر.والتفريق بين البشر بحجة واهية .وهي تهدف إلى تصوير عهد من العهود التي عاشتها " العبيدي " لتعبر عنه بأسلوب روائي سائغ مبني على معطيات التاريخ . فالسرد لديها هو الدخول إلى عوالم هذه الشخصيات ومنها " أحمد المسلماني ، وحسن باشا ، وحسين البهرزي ، وبدرية " جميع هذه الشخوص تتحرك على الورق الأبيض عبر تسلسل زمني منطقي ، أرادت منه إثارة الجدل حول بعض الحقائق التاريخية بوصفها دروسا لإيصالها إلى من تولى أدارة الدولة باستهتار وبأرواح الناس البسطاء .وهذه التحولات انتابها الصراع الملتهب والعاصف ضمن ما تمر به المرحلة .
" صوت ينطلق من مأذنة الجامع بتلاوة قرآنية فيها حنين وقهر عراقي " ص9
ولكن لدى " العبيدي " رؤية مختلفة وهي البحث في " الزواغير " وفي مناطق نحن لا نعرفها بالرغم من أننا من مواليد بغداد .وتلك الحقبة التاريخية لها أبعادها الفكرية التي انطلقت منها لتؤسس لواقع مرير نعيشه الأن تقول : -
" هذا هو حال السياسة في زمننا ، اشقياء يصبحون ساسة ، وسياسيون يمارسون الشقاوة ، ص15 هذا النسيج الفكري الذي مزج بين الديني والسياسي ،وهنا نؤكد ما قاله لنا الناقد " مقداد مسعود " عملت الروائية " العبيدي " على عينات من هذا الزمن ، وأنها إستعملت مرجعيات وثبتتها بعد نهاية الرواية ، لكنها من خلال تدويرات السرد صّيرت تلك الكتب من الندائف في النص الروائي .تقول
" وحدها الأدوار تتغير، وهذه الأزقة المثقلة بالتراب والخيبات ، نظرتُ إلى بغداد وكأنني لا أعرفها ، اه بغداد هذا آخر عهدنا بك ، الوجوه تغيرت والمتغيرات مسرعة تطل علينا " ص151
بقى أن نقول أن هذه الرواية الثالثة المعنونة " عند باب الأزج " قد صدرت عن دار ضفاف للطباعة والنشر -بغداد – الشارقة ،وسبق أن صدرت لها روايتان ، منعطف الصابونجية ، واوراق الدفلى ، بالأضافة الى مجموعة قصصية ، والجدير بالذكر أن الروائية العراقية نيران العبيدي تعيش في كندا .
قاسم ماضي -ديترويت .