بين القضاء والمحاماة.. تأمل في شراكة العدالة
علي ستار الربيعاوي
في إحدى الدورات القانونية التطويرية التي أقامتها نقابة المحامين العراقيين ، صدح أحد السادة القضاة بكلمةٍ بليغةٍ مشبعة بالمعنى القانوني، ومفعمة برؤيةٍ قضائيةٍ عميقة، اختزلت بفصاحتها فلسفة مهنة المحاماة وجوهر موقعها داخل المنظومة القضائية والعدلية، إذ قال:
“الْمُحَامِي شَرِيكُ الْقَضَاءِ فِي تَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ، وَهُوَ أَيْضًا تَجْسِيدٌ لِسِيَادَةِ الْقَانُونِ، وَالْمُدَافِعُ عَنِ الْحُقُوقِ وَالْحُرِّيَّاتِ.”
إنّ هذا القول، بقدر ما هو توصيف مهني، فإنه يكشف عن رؤية فلسفية عميقة للعلاقة العضوية بين القضاء والمحاماة. فالمحامي لا يُمكن أن يُفهم بوصفه طرفاً خارجياً عن منظومة العدالة، بل هو عنصر تكويني فيها، قائم بدورٍ مزدوج: من جهة شراكة في بناء القرار القضائي عبر المرافعة القانونية، ومن جهة أخرى كفيل بتحقيق التوازن بين السلطة والحق، بين النص والواقع، بين القانون والعدالة.
حارس مدني
أما الإشارة إلى كونه “تَجْسِيدٌ لِسِيَادَةِ الْقَانُونِ»، فليست مجازاً خطابياً، بل تأصيل لوظيفة المحامي بوصفه الحارس المدني الأول ضد التعسف والانحراف بالسلطة، إذ لا يُمارس دوره انطلاقاً من موقع الدفاع فحسب، بل من منطلق مقاومة الظلم وصيانة النظام القانوني ذاته. فالمحامي، في ضوء هذه الرؤية، ليس تابعاً للقضاء، بل هو أحد أركانه الأخلاقية والفكرية.
وحينما يصفه القاضي بأنه “وَلْمُدَافِعُ عَنِ الْحُقُوقِ وَالْحُرِّيَّاتِ”، فإنما يُعيده إلى مكانته الطبيعية في البنية الديمقراطية، حيث تُقاس شرعية المؤسسات بقدرتها على حماية الإنسان، ولا يتم ذلك دون صوتٍ حر، مستنير، قادر على المحاججة، متمثّل في شخص المحامي.
من هنا، فإن هذه الكلمات الموجزة التي عبّر بها سيادة القاضي، لا تُقرأ كإطراء، بل كبيان فلسفي-قانوني يُعيد ترسيم العلاقة بين القضاء والمحاماة، ويُؤسس لرؤية معرفية تؤمن بأن العدالة ليست فعلاً سلطوياً، بل ممارسة تشاركية، يُسهم فيها المحامي بوعيه القانوني ومسؤوليته في صون الحقوق وتحقيق التوازن أمام القضاء.
محام