الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
صراع الهويات بين الفرض والقرض    (5)

بواسطة azzaman

صراع الهويات بين الفرض والقرض    (5)

تصنيع الهوية الوطنية

منقذ داغر

 

«هل أن التعدد الثقافي، سواء بصيغة التعدد الآيدلوجي أو الوقائع الموجودة على الأرض، يقلل من شعورنا بالمواطنة المشتركة؟ واذا كان الأمر كذلك فهل هناك وسائل لإعادة بناء فهم مشترك للهوية الوطنية لكل افراد الشعب المختلفين؟» المفكر السياسي فرنسيس فوكوياما.

تؤيد الأرقام التي نشرتها في المقال السابق عن الشعور بالهوية الوطنية بين العراقيين، الملاحظة العامة لكثير من المختصين الذين شخصوا وجود تغوّل لأهمية الهويات الاجتماعية المختلفة (الطائفية والأثنية) على حساب الهوية الوطنية الجامعة. فبعد أكثر من قرن من تأسيس الدولة العراقية الحديثة لا زال حوالي نصف الشعب يشعرون ان هوياتهم الطائفية والأثنية والدينية تتفوق على هويتهم العراقية.

المرغوبية الاجتماعية

واذا أخذنا ما يعرف بظاهرة المرغوبية الاجتماعية Social desirability  والتي تجعل كثير من الناس يصرحون بأشياء عكس ما يؤمنون به فعلاً خشية ان يقال عنهم انهم متخلفين او غير وطنيين أو غير مثقفين...الخ فأن نسبة من يشعرون بتفوق هويتهم العراقية الجامعة هي أقل بكثير من نصف العراقيين. وفي ضوء ما قلته سابقاً عن ضرورة وأهمية الشعور بالهوية الوطنية فأننا أزاء مشكلة سياسية-أجتماعية-أقتصادية سلوكية تفرض على المختصين معالجتها.

يشير الدستور العراقي في مادته الخامسة أن الشعب هو مصدر السلطات.

كما يفتتح الدستور ديباجته بعبارات أدبية فضفاضة عن «أبناء وادي الرافدين» و «شعب العراق» دون أن يقول لنا من هو شعب العراق؟ هذا الفشل في تحديد من هم العراقيون يعكس نمطاً شائعاً في التفكير السياسي حدده المفكر مانينت  Manent  بافتراض ان كل الدول بُنيت على أساس وجود مسبق للأمة ولمجتمع يشعر بهوية وطنية جامعة. لكن هذا الأفتراض غير واقعي. فكثير من الدول بُنيت على أسس أبعد ما تكون عن الشعور بهوية مشتركة بين مكوناتها الاجتماعية. فالإتحاد السوفيتي مثلاً بُني على أساس آيدلوجي دون وجود مشتركات كثيرة بين شعوبه المختلفة. وحتى في الدول الديموقراطية فما زالت هناك مجموعات إجتماعية - كالكاتالان في اسبانيا- تشعر بأن ما يجمعها ببقية الشعب في تلك الدول اقل مما يميزها أو يجعلها مختلفة عنه. مع هذا فأن وجود اختلافات احياناً كبيرة بين مختلف مجاميع الشعب لم تمنع دول أخرى من النجاح في بناء هوية وطنية جامعة كانت سبباً وراء تقدمها بل وتفوقها. خذ سويسرا كمثل لدولة يتحدث شعبها اكثر من لغة وينحدرون من أكثر من أصل ويؤمنون بآيدلوجيات عقائدية مختلفة ومع ذلك لم نسمع يوماً عن أي محاولة انفصال، بل ولم يدخلوا الحربَين العالميتين ولم يتم احتلالهم او جرّهم لما يمكن ان يجزئهم او يشتت وحدتهم السياسية والاجتماعية !!

الهوية الوطنية

أن النجاح في بناء هوية وطنية جامعة يعتمد على عدة عوامل تؤثر في ركنَي هذا المصطلح السياسي-الاجتماعي (الهوية والوطنية). يرتبط معنى (الهوية) ببعدَي المعرّف identified   والمعرّف به identifier. فالمعرّف هو الأنسان او الشخص المراد منه الشعور بالهوية. من هنا نعلم أن الهوية مفهوم أنساني شعوري قبل أن يكون مفهوم قانوني مؤسسي. أما المعرّف به فهو المجموعة الاجتماعية التي يجري الصاق الهوية بها. فهي فد تكون مجموعة عرقية (العرب مثلاً) أو طائفة دينية(الشيعة او السنة) أو قد تكون وطناً محدداً بحدود جغرافية (كالعراق). أم الشق الثاني من المصطلح (الوطنية) فعلى الرغم من أرتباطه المباشر والقوي بحدود جغرافية معينة الا أن ذلك لا يكفي بدون وجود شعور اختياري تصوري لمعنى الوطن. فكونك مولود وأنت عراقي أو أمريكي أو ياباني لا يكفي دون ان تشعر في قرارة نفسك بالأنتماء الحقيقي لهذه الجغرافيا واستعدادك لخدمتها والدفاع عنها. هكذا نفهم قول الإمام علي (ع) بان الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن. فالوطن ليس حدوداً جغرافية، بل هو كالأم حضناً جامعاً دافئاً عادلاً باذلاً للجميع على قدم المساواة بغض النظر عن خلفياتهم وانتماءاتهم الدينية والعرقية.


مشاهدات 58
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2025/08/02 - 12:58 AM
آخر تحديث 2025/08/02 - 9:05 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 339 الشهر 1074 الكلي 11276160
الوقت الآن
السبت 2025/8/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير