الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بين النية والنواب تنكشف الأنياب

بواسطة azzaman

بين النية والنواب تنكشف الأنياب

شيرزاد نايف

 

لقراءة فلسفية صريحة دون رتوش أو مقدمات رتيبة في وجوه الترشيح النيابي بين المبدأ والمصلحة، بين المصلحة و المسلحة. نرى مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في العراق، تتكرر الأسئلة القديمة بملابس جديدة: من يستحق الترشّح؟ وما الذي يدفع هؤلاء الأفراد إلى السعي وراء مقاعد البرلمان؟

نرى الوجوه نفسها، الأسماء ذاتها، والوعود المكرّرة. وبينما تصرح الكتل السياسية بأنها ترشّح للدفاع عن الوطن والسيادة، نجد أن دوافع الأفراد غالبًا ما تتأرجح بين الطمع الشخصي، حب الظهور، أو الضمير الصادق.

هذا المقال لا يكتب من منظور ناقد فحسب، بل كشاهد يعيش المشهد السياسي ويستمع لنبض الناس، ليكشف الحقيقة: ليست كل نية تُعلن، وليست كل ترشيحات تضحية حقيقية. لكن ماهو الحق السياسي والواجب الأخلاقي في هذا؟ للأجابة على هذا السؤال؛ أقول أنه تمتلك الكتل السياسية حق الترشح ضمن النظام الديمقراطي، فهي تعبّر عن جماعات ومكوّنات ومصالح مجتمعية، وتدافع عن الدولة والسيادة. لكن هذا الحق يفقد قيمته عندما يتحول الترشيح إلى طموح شخصي بحت، بلا ضمير ولا وازع أخلاقي. فالترشيح النيابي عقد ثقة بين الشعب وممثّليه، والشعب لا يمنح ثقته لمن يشتريها بالمظاهر والكلمات الرنانة. لنصنف المرشحين الى ثلاث انواع بغض النظر عن النوع الهجيني مابين الأول والثاني وهي:

1ـ المرشّح المادي: البرلمان بوصفه وظيفة

أكثر أنواع المرشحين انتشارًا هو من يرى البرلمان كباب رزق لا كمنبر خدمة. يترشح بحثًا عن راتب ثابت ومكاسب جانبية، لا عن مشروع وطني أو رسالة أخلاقية. فالنائب العراقي كما نسمع و نرى بأنه يتقاضى راتبًا بين 10 إلى 13 مليون دينار شهريًا، إضافة إلى مخصصات سكن وحماية وسفر واتصالات وتقاعد مضمون بعد دورة واحدة، حسب مصادر متوفرة، وهكذا يصبح الكرسي مغناطيسًا للطمع أكثر من كونه منصة للواجب. الشعب، بدوره، ليس مضطرًا أن يكدّ ويضحّي كي يعيش آخرون في رفاه بلا حدود.

عمل نيابي

2ـ المرشّح الوجاهي: الظهور قبل الضمير

فئة أخرى تترشّح لا لطلب المال، بل لشهوة الظهور واللقب. هؤلاء يقيسون نجاحهم بعدد الكاميرات لا بعدد القوانين، ويهتمون باللقب أكثر من المبدأ. هم يعيشون داخل مسرح سياسي كبير، بعيدًا عن جوهر العمل النيابي الحقيقي. بهذا، يتحوّل البرلمان من مؤسسة تشريعية إلى مجرد منصة استعراض.

المرشّح النزيه: من يخاف على الوطن قبل نفسه

النوع الثالث نادر لكنه الأصدق. مرشّح يتردد قبل أن يضع اسمه على قائمة الترشيحات، لأنه يخشى أن يُساء الظن به.

هو من يرى المنصب كأمانة ثقيلة، لا كغنيمة. غالبًا ما يُدفَع إلى الترشح من الآخرين، لأنه لا يبحث عن الكرسي بصفته، بل عن خدمة الشعب والوفاء بالواجب.

شهدنا أمثلة قليلة، مثل نواب كرد دافعوا عن حقوق محافظاتهم في كركوك ورفع علم كردستان عام 2017، أو نواب استقالوا تضامنًا مع احتجاجات الشعب عام 2019. أم النائب الكوردي في البرلمان التركي عثمان بايدمير وليلى زانا و اخرون، يسكن الضمير نواياهم! وهنا تتجلى النية الصادقة والضمير السياسي قبل أي مصلحة شخصية.

إذًا فلسفة الترشيح: بين الأنا والأُمّة يكون فيها الترشيح النيابي ليس مجرد إجراء، بل اختبار وجودي. في لحظة القرار، يقف المرشح بين نداءين متناقضين: نداء الأنا الذي يعده بالمجد الشخصي والسلطة، ونداء الأُمّة الذي يطالبه بالمسؤولية والتجرد.

من ينتصر للأول، يكسب موقعًا ويفقد روحه؛ ومن ينتصر للثاني، يخسر الراحة ويكسب التاريخ. السياسة ليست طريق الثراء، بل طريق الوعي والمسؤولية. وليست منصبًا للكلمات، بل امتحانًا للأفعال.

الضمير السياسي… الميزان الذي لا يُزوّر

نحن بحاجة إلى نواب يرون في المقعد أمانة لا غنيمة، ويخدمون الشعب بالعمل لا بالكلام. نحتاج إلى مرشحين يرفعون النية قبل الكرسي، والمبدأ قبل الطمع. حين تتوازن الكتل السياسية بين الواجب الوطني والعدالة الاجتماعية، وعندما يختار المواطن ضميره لا مزاجه، يصبح البرلمان بيت الشعب لا بيت الامتيازات.

وأخيراً يجب أن يكون هناك ضمير يُنتخب لا نوّاب يُنتخبون الانتخابات ليست مجرد صناديق تُملأ بالأسماء، بل مرايا تُظهر وجوه الأمم. حين يصوّت الشعب بضميره، وحين يترشّح المرشح بنية صافية، يتحول البرلمان من ساحة نفوذ إلى منصة وعي.

العراق لن ينهض بكثرة النواب، بل بقلة منهم… أولئك الذين يدخلون البرلمان بقلوب تضيء أكثر مما تبرق.

  مسؤول إعلام الوحدة 9 للبشمركة.

 


مشاهدات 77
الكاتب شيرزاد نايف
أضيف 2025/10/11 - 3:20 PM
آخر تحديث 2025/10/12 - 5:26 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 147 الشهر 7650 الكلي 12147505
الوقت الآن
الأحد 2025/10/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير