الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المؤتمر .. ما وراء الصورة

بواسطة azzaman

المؤتمر .. ما وراء الصورة

منتصر صباح الحسناوي

 

عند مشاركتي في مؤتمر المثقّفين العراقيين في بغداد قبل أيام ، لا أُخفيكم سرّاً أنني تمنّيتُ لو كانت وزارةُ الثقافة هي الجهةَ المنظِّمة لهذا الحدث، فذلك يليق بها ومكانتها، ومع ذلك، فإنّ غياب المبادرة لا يعني غياب الدور، ولا يُقلّل من قيمة أن يتصدّى الجانبُ غيرُ الحكوميّ لمثل هذه المبادرات، فالمشهدُ الثقافيّ يتّسع لكلِّ مَن يسعى بصدقٍ لإحياء الوعي وإعادة الاعتبار للكلمة والفكر.

ولعلّ ما شجّعني على كتابة هذه السطور هو تلك السعادةُ الغامرة التي شعرتُ بها وأنا أرى هذا الجمعَ الثقافيَّ يلتقي ويتحاور، إلى جانب الملاحظات والنقد الذي وجّهه بعضُ الإخوة، وهو نقدٌ أراه دليلاً على الاهتمام أكثر من كونه اعتراضاً، لأنّ الثقافة لا تزدهر إلّا بالحوار، ولا تنضج إلّا بالاختلاف الجميل الذي يبني ولا يهدم.

الصورُ التي يراها الناسُ عند انعقاد مؤتمرٍ أو نشاطٍ ثقافيّ أو فنيّ أو اجتماعيّ، هي ومضاتٌ عابرة، لحظاتٌ تلمع أمام العيون ثم تخبو سريعاً في الذاكرة، قد تبقى في أرشيف الحاضرين كذكرى لطيفة أو لقطةٍ عابرة، لكنّها لمن صنعها تظلّ شيئاً آخر تماماً، فخلف كلّ لقطةٍ تذكارية تمتدّ ذاكرةٌ طويلة من السهر والتخطيط، جهدُ أشهرٍ من التحضير وتجاوز العقبات، من أجل أن تُختزل النتيجة في مشهدٍ أنيقٍ أمام الجمهور، يجمع المختلفَ والمتّفق، ويعيش بين مدحٍ يُبهج وذمٍّ لا يخلو منه أيّ عملٍ ناجح.

مشهدٍ جميلٍ

فما إن تُطفأ الأضواء وتُسدل السِتار ، حتى يبدأ البحثُ عن الأخطاء، كأنّ الكمالَ شرطٌ للحضور، وكأنّ مَن يقف وراء النجاح لا يُسمح له بالهفوة ولا بالإنهاك. ومع ذلك، يبقى هذا البحثُ في ذاته حافزاً على الإصرار، فهو جزءٌ من النجاح، إذ لا يكتمل العملُ إلا حين يُختبر تحت الأعين، ولا يثبت صدقُه إلا حين يصمد أمام الملاحظات.

المؤتمرُ لا يقتصر على تنظيم قاعةٍ وإجلاسِ حضورٍ وترتيبِ فعالية، فخلف كلّ مشهدٍ جميلٍ حكاياتٌ لا تُروى: عقباتُ التمويل، وصعوباتُ الدعوات، وروتينُ الإدارة، وتأجيلاتٌ في اللحظات الأخيرة، واتصالاتٌ لا تنتهي، وترتيباتٌ تُعاد عشرَ مرّات، وأسماءٌ تُنسى ثم تُستدرَك في اللحظة الأخيرة.

ومع ذلك، يظلّ الفريقُ واقفاً، يُرمّم الوقتَ بقدر ما يستطيع، ويستقبل الحضورَ ويرسم الابتسامةَ حتى لو كان خلفها تعبٌ لا يُقاس.

نجاحُ أيّ نشاطٍ هو في حقيقته روايةٌ من فصولٍ متتابعة، فيها الحماسُ والخذلانُ والمفاجآت، والفرحُ الذي يجيء في النهاية كمكافأةٍ مؤجَّلة.

مَن يلتقط الصورة لا يعرف أنّ تلك الوردةَ على الطاولة مرّت بين عشرِ أيادٍ قبل أن تُوضع، وأنّ الضوءَ الذي أضاء القاعةَ جاء بعد ساعاتٍ من التنسيق، وأنّ الضيفَ الذي اعتلى المنصّة سبقه مَن ظلّ يتأكّد من جاهزيّة الميكروفون عشرَ مرّات.

كلّ تفصيلٍ صغيرٍ في الظاهر هو قصّةٌ طويلةٌ في الكواليس، وكلّ نجاحٍ علنيّ هو مرآةٌ لجهدٍ خفيّ.

ولعلّ أجملَ ما في تلك الكواليس أنّها تصنع ذاكرةً لا تُنسى، ذاكرةً تتعلّق بالعمل والذين اجتمعوا عليه، هناك صداقاتٌ تولد في زحمة التحضيرات، وتفاهماتٌ تُبنى بالصمت بين مَن يعرفون أنّ النجاحَ تعاونٌ وتكاملٌ لتكون النتائجُ كما يُراد لها أن تكون،

هؤلاء يخرجون من كلّ فعاليةٍ أكثرَ إيماناً بأنّ العطاء الحقيقيّ هو أن تترك أثراً يشهد لك دون أن تتحدّث.

وربّما لهذا السبب تظلّ الصورةُ بالنسبة لهم شيئاً أكبر من ملامحها، لأنّهم يرون فيها تعبَ الأيام الماضية، وسهرَ الليالي، وصبرَهم حين كان الجميعُ ينتظر النتيجةَ فقط، الصورةُ بالنسبة لهم ليست تذكاراً فحسب، بل خاتمةَ فصلٍ من الإصرار الإنسانيّ على أن يكون كلّ ما يُقدَّم جديراً بالتصفيق.

«أشعر جيّداً بما يكون خلف كواليس المؤتمرات» … مباركٌ لكلِّ مَن يجتهد وينتج.

 


مشاهدات 59
الكاتب منتصر صباح الحسناوي
أضيف 2025/10/11 - 3:20 PM
آخر تحديث 2025/10/12 - 2:53 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 81 الشهر 7584 الكلي 12147439
الوقت الآن
الأحد 2025/10/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير