الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الحكومة الجديدة وتعثّرات الخطوةِ الأُولَى

بواسطة azzaman

الحكومة الجديدة وتعثّرات الخطوةِ الأُولَى

رعد البيدر

 

فِي النظامِ النيابيِّ العراقيِّ، تُعَدُّ رحلةُ تشكيلِ الحكومةِ سِبَاقاً مفتوحاً على جبهتين: جبهةِ النصِّ الدستوريِّ وجبهةِ الإرادةِ السياسيةِ. تَبْدَأُ الخطوةُ الأُولَى الفعليةُ لتشكيلِ الحكومةِ الجديدةِ لَحْظَةَ مُصادقةِ المحكمةِ الاتحاديةِ العُلْيَا على النتائجِ النهائيةِ للانتخاباتِ. عِندَها يَبدأ العَدُّ التنازليُّ الدستوريُّ الذي يُلْزِمُ رئيسَ الجمهوريةِ بالدَّعوةِ لانعقادِ البرلمانِ خِلَالَ خمسةَ عشرَ يوماً. لَكِنَّ الخللَ الدستوريَّ الأبرزَ يكمنُ فِي عدمِ تحديدِ سقفٍ زمنيٍّ مُلْزِمٍ للمحكمةِ الاتحاديةِ للمصادقةِ على نتائجِ الانتخابات؛ التباطؤ الحالي يفتحُ فجوةً زمنيةً غيرَ مُنْضَبِطَةٍ في بدايةِ السباقِ. وعليه، ولأننا اليومَ قد دخلنا مرحلةَ المصادقةِ - ولنفترضْ جدلاً أنَّ المحكمةَ قد أَتَمَّتْ مُصادقتَها في 1 كانونَ الأولِ 2025 - فإنَّ العَدَّ التنازليَّ يَبْدَأُ من مرحلةٍ يُفْتَرَض إنها أنجزُت، مما يَعْنِي أَنَّ جميعَ المراحلِ التي سَبَقَتْ، كعمليةِ الاقتراعِ والبَتِّ فِي الطعونِ القضائيةِ، قد تَمَّ تجاوزُها وحَسْمُها بالفعلِ. وبعدَ تجاوزِ العائقِ القضائيِّ والزمنيِّ غيرِ المُحَدَّدِ الذي بَيناه، تَبْدَأُ المُدَدُ الدستوريةُ الحقيقيةُ والحاسمةُ بالتعاقُب. يَبدأ العَدُّ بدعوةِ رئيسِ الجمهوريةِ لانعقادِ مجلسِ النوابِ خِلَالَ خمسةَ عشرَ يوماً (بِحَدٍّ أَقْصَى 16 كانونَ الأولِ 2025). من النادر أن يتأخر هذا الإجراءُ، لَكِنَّ العقبةَ الكبرى تكمنُ فِي الخطوةِ التاليةِ: اِنْتِخَابِ رئيسِ الجمهوريةِ. يَمْنَحُ الدستورُ النوابَ ثلاثينَ يوماً لاختيارِ رئيسِ الجمهوريةِ، أَيْ حَتَّى 15 كانونَ الثاني 2026 كَحَدٍّ أَقْصَى. عندها تبدأ أخطرُ محطاتِ التأخيرِ وأكثرُها تكراراً؛ لِأَنَّهَا تَتَطَلَّبُ توافقاً سياسياً عالياً، مِمَّا يَدْفَعُ الكُتَلَ لاستنفادِ المُدَّةِ كاملةً، بَلْ وتجاوزِها أحياناً، مُسْتَغِلِّينَ غيابَ الجزاءِ الدستوريِّ على هذا التَّأخير، إذ لا يُفسرُ بكونهِ خَطَأً في النَّصِّ، بَلْ استنزافٌ مُتَعَمَّدٌ لروحِ الدستورِ بغرضِ حَسْمِ الصفقاتِ. حال اكتمالِ انتخابِ رئيسِ الجمهوريةِ، تَبْدَأُ مهمةُ تكليفِ مُرشحِ الكتلةِ الأكبرِ بتشكيلِ مجلسِ الوزراءِ خِلَالَ خمسةَ عشرَ يوماً أخرى (حَتَّى 30 كانونَ الثاني 2026). يَتْبَعُ ذلكَ المرحلةُ الأخيرةُ والأكثرُ استهلاكاً للوقتِ: نَيْلُ الحكومةِ الثقةَ، والتي يُمْنَحُ فِيهَا المُكَلَّفُ مُهْلَةَ ثلاثينَ يوماً (حَتَّى 1 آذار 2026) لتقديمِ كابينتِهِ الوزاريةِ. ويتحول هذا الشهرُ الأخيرُ عادةً إِلَى فترةِ تفاوضٍ مُطَوَّلٍ لتوزيعِ الحقائبِ، لِيُصْبِحَ الموعدُ الأقصى هنا هو المُدَّةَ المُعْتَادَةَ وليسَ استثناءً. نختَتمُ بالقول: إنَّ الخَلَلَ ليسَ فِي «بواقي المُدَدِ» التي نعرفُها ونجيدُ حسابها، بَلْ فِي التراخي السياسيِّ الذي يُحَوِّلُ السقفَ الزمنيَّ الدستوريَّ إِلَى سقفٍ زمنيٍّ للمفاوضاتِ والمساومةِ، والأهمُّ هو الخطأُ الدستوريُّ غيرُ المُغَطَّى في بدايةِ العمليةِ الذي يُعطِي مُهْلَةً مفتوحةً للمحكمةِ الاتحاديةِ. ورغمَ أنَّ الإرادةَ السياسيةَ تَمْتَلِكُ مفتاحَ الاختصارِ الكاملِ لِهَذِهِ الأربعةِ الأشهرِ، فإنَّ التحديَّ الأكبرَ يَظَلُّ كامناً فِي غيابِ الجزاءِ الدستوريِّ الرادعِ الذي يَضَعُ حَدّاً لتلكَ التأخيراتِ المُتَكَرِرة.


مشاهدات 26
الكاتب رعد البيدر
أضيف 2025/12/02 - 3:25 PM
آخر تحديث 2025/12/03 - 1:14 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 39 الشهر 1578 الكلي 12785483
الوقت الآن
الأربعاء 2025/12/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير