الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تاريخ الشعائر الحسينية .. من الولادة إلى التبلوّر

بواسطة azzaman

تاريخ الشعائر الحسينية .. من الولادة إلى التبلوّر

وسام الحِجّاج

 

تعد الشعائر الحسينية رمزاً من رموز المذهب الشيعي.. وامتداداً تاريخياً وفلكلوراً ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالمناسبات والفعاليات الشيعية سواء الحزينة منها أم الأفراح والولادات للأئمة، والتي انطلقت من مقولة تروى عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: (شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا).

وقد امتد تاريخ الشعائر والفعاليات الحسينية عبر القرون.. إلا أنها لم تكن تبلورت كما هي الحال.. فقد اختلفت وتطورت عما كانت عليه اليوم مما يدعو إلى التوقف والبحث التاريخي عن ظهور بعض هذه الشعائر.. وسوف نورد بعضاً منها بحسب ما توافرت لدينا من مصادر علمية وكما في الآتي:

أولاً: البكاء على الحسين:

قصة واحدة

تورد الروايات قصصاً مختلفة عن تاريخ بداية أول عزاء نصب للإمام الحسين والبكاء عليه. ونحن في هذه العجالة نورد قصة واحدة منها.. وهي كما وردت أن الزهراء (سلام الله عليه) قد غسلت وعطرت وألبست ولديها الحسن والحسين (ع) وأرسلتهما إلى جدهما رسول الله (ص) في مسجده فاستقبلهما النبي (ص) فرحاً مهللاً بقدومهما فأمسك الحسن وقبله في فمه وأمسك الحسين وقبله في نحره، فتملك الحسين (ع) شيئاً من القلق عندما شاهد ذلك فعاد إلى أمه وأخبرها متسائلاً إن كان في فمه رائحة كريهة جعلت رسول الله (ص) فانتظرت حتى عاد رسول الله (ص) فسألته عن ذلك فأخبرها على مسمع من الحسن والحسين وأبيهما أن الحسن سوف يقضي مسموماً وأن الحسين سوف يقضي مذبوحاً من الوريد إلى الوريد ولذلك فهو قبلهما بهذا الشكل للإشارة إلى موضع قتلهما واستشهادهما.. فحزن الجميع وسالت دموعهم لذلك.. فكان أول مجلس للعزاء على الحسين (ع).. وهنالك روايات أخرى بمواضع مختلفة قريبة من ذلك. ومن أهم هذه القصص ما يورده التاريخ عن الإمام السجاد (ع) الذي ما وضع له طعام أو شراب إلا مزجه بدموعه وبكى على مقتل أبيه وأهل بيته وأصحابه، وقد كان الأئمة إذا أقبل شهر المحرم من كل عام يراهم الناس في حزن وبكاء على مصيبة الحسين (عليه السلام).

ثانياً: قول الشعر وقراءته على الناس:

لقد كان لشعراء أهل البيت دور كبير في نقل مصاب أبي عبد الله الحسين (ع) منذ استشهاده وحتى يومنا هذا. فقضية الحسين أثارت وحفزت قرائح الشعراء من كل المذاهب والأديان.. ولمن يريد الخوض في هذا الموضوع يمكنه أن يراجع كتب (أدب الطب) أو أخبار شعراء الشيعة أو غيرها من الكتب التي دونت قصائد الشعراء.

لكننا هنا نبدأ بأول شاعر حدثنا عنه التاريخ بأنه أول من قال الشعر في مصاب الحسين وهو بشر الذي كان مرافقاً للإمام السجاد (ع) والنسوة المسبيات عند عودته إلى مدينة جده، فقد قال له الإمام (ع): رحم الله أباك كان شاعراً فهل تجيد شيئاً من الشعر؟.. فقال له بشر: نعم وأنا شاعر، فطلب منه الإمام أن يتقدم الركب وينشد شعراً في مقتل الحسين.. فانطلق بشر إلى مدخل المدينة وأنشد:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها         

 قتل الحسين فأدمعي مدرارُ

الجسم منه بكربلاء مضرج           والرأس منه على القناة يدارُ

ونحن نعتقد أن هذه أول مرة قيل في مقتل الحسين (ع) شعراً ونصب له مأتم شعري حيث وفد الناس إلى بشر وصاروا يبكون بجواره وهو ينشدهم الشعر. وقد أورد التاريخ الكثير من القصص حول شعراء كانوا ينشدون مقتل الحسين ومصابه ويستدرون بها دموع الناس. ومن أهم القصص ما ورد عن مجالس العزاء على الحسين التي كان يقيمها الإمام الرضا بحضور شاعر أهل البيت دعبل الخزاعي حيث كان ينشد الشعر على الناس والناس تبكي. ومن أهم الأبيات التي عُرفت عن دعبل قوله:

أفاطم لو خلتِ مجدلاً            

وقد مات عطشاناً بشط فراتِ

إذاً للطمتِ الخدّ فاطمُ عنده   

وأجريت دمع العين في الوجناتِ

ومن القصائد التي خلدها التاريخ وقيلت في زمن الأئمة المعصومين عليهم السلام: (ميمة أبي فراس الحمداني، رائية ابن العرندس، وتائية دعبل الخزاعي.. وغيرها من القصائد).

ثالثاً: دق الطبول والمزامير:

يروي التاريخ بأن الدولة البويهية التي قامت في شمال بلاد فارس وحكمت ايران والعراق، كانت دولة شيعية إمامية وكانت تقيم الشعائر الحسينية وقد كان يوصي السلطان عضد الدولة البويهي جنوده بإقامة الشعائر في مقراتهم العسكرية فكانوا يستخدمون ما يتاح لهم من أدوات عسكرية في إقامة الشعائر الحسينية فاستخدموا الطبول والمزامير والرايات بمختلف ألوانها، وذلك لأن كل فرقة من الجيش تحمل علماً بلون يشير إليها.

وكذلك تعطيل الأسواق جاء بأمر من السلطان معز الدولة في يوم عاشوراء، في مقابل بدعة الأمويين الذين جعلوا من يوم العاشر من محرم عيداً واختلقوا الأحاديث على لسان رسول الله (ص) لكي يمجدوا بهذا اليوم ويجعلوه يوم فرح.فكانت الدولة البويهية تجعل من هذا اليوم عطلة وحزن وتعزية على مصاب أبي عبد الله الحسين (ع).رابعاً: اللطم: يروى أن أول من لطم الصدر والرأس هم بنو أسد عندما جاءت النسوة للري من الفرات ووجدن الأجساد الطاهرة فولون وهرولن إلى رجالهن يخبرنهم بما وجدن بجنب النهر فجاؤوا وشاهدوا وولوا ولطموا الوجوه والصدور تفجعاً.أما بالنسبة إلى اللطم السريع فبدأ في الستينات والسبعينات من القرن العشرين وما قبله، حيث كان الشيعة يلطمون بطريقة تسمى (الفزاعية) وهي قصائد ولطميات تقرأ بعد المقتل مثل (خيرة الله من الخلق أبي، الله الله حسين وينه) وغيرها من القصائد الفزاعية.

وبعد قيام الدولة الإسلامية في ايران عام 1979 وما بعدها ظهر لون جديد من اللطم السريع المتفجع الذي أضيفت إليه بعض المؤثرات مثل الموسيقى والمصابيح الحمراء والإنارة الخافتة وقد أطلقوا عليه اسم (الشور) والشور بالفارسية مصطلح يعني في هذا الموضع: (التفجح واللوعة والحزن المتواصل) فيقولون بالفارسية مثلاً: (دلم شور ميزند) بمعنى: قلبي يخفق قلقاً.. أو بمعنى إنني قلق وغير مرتاح وحزين. ومن أهم الرواديد الذين عرفوا بهذا اللون من العزاء واللطم (نريمان بناهي، وجواد ذاكر، ومحمود كريمي)، ثم دخل إلى العراق عام 2003 ليصبح لوناً جديداً من العزاء على الإمام الحسين (ع).

ضرب السيوف

خامساً: ضرب الزنجيل والقامة والموسي: ظهر عند قيام الدولة الصفوية وهي دولة ظهرت في إيران وحكمت جزءاً من العراق وكانت على المذهب الشيعي الاثني عشري وأدخلت ضرب الزنجيل وضرب السيوف على الرأس من قبيل التفجع على مصاب الحسين، كما ينقل ذلك الباحث الإيراني المفكر علي شريعتي في كتابه (التشيع العلوي والتشيع الصفوي).

إن تاريخ العزاء على الحسين يمتد إلى ما قبل مقتله (سلام الله عليه) حيث تذكر الكثير من الروايات أن الرسول كان يروي ما سيجري على سبطه الحسين وأنه جاء إلى زوجه أم سلمه بقارورة فيها رمل من أرض كربلاء وأنبأها بأن هذا الرمل يوما ما سيتحول إلى دم عبيط عند مقتل الحسين (ع) كما تروى روايات أخر عن أنبياء وأوصياء ذُكرتْ عندهم حادثة الحسين وتفجعوا لمصابه عليه أفضل الصلاة والسلام.

 


مشاهدات 114
الكاتب وسام الحِجّاج
أضيف 2025/07/30 - 2:32 AM
آخر تحديث 2025/07/30 - 8:48 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 713 الشهر 20710 الكلي 11174322
الوقت الآن
الأربعاء 2025/7/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير