النفط والسيادة والعار
أمل الجبوري
منذ اندلاع المواجهة العسكرية الأخيرة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإسرائيل، وما أعقبها من تدخل أمريكي علني في ضرب أهداف داخل إيران، وردّ طهران عبر استهداف قواعد أمريكية في بلداننا العربية، بات المشهد أكثر وضوحًا: نحن لسنا على الهامش، بل في قلب الصراع، والأرض العراقية مرّة أخرى تتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.
وفي خضمّ هذا التصعيد، لا بدّ أن نطرح السؤال الذي يؤرق كل وطني عراقي: كيف لنا، كدولة يتجاوز عدد سكانها الأربعين مليونًا، غنية بثرواتها، صاحبة تاريخ عمره آلاف السنين، أن نقبل باستمرار هذا الشكل الوقح من التبعية؟ كيف لنا أن نقبل، بعد خمسين عامًا على تأميم النفط العراقي عام 1972، أن تُسلب منا ثماره من جديد، ويُعاد تسويقها عبر البنوك والأسواق الدولية، لتُردّ إلينا بآلية تحرمنا من فوائدها كأوصياء على ثروات لا نملك منها سوى الفتات؟
لقد تحوّل النفط، منذ لحظة اكتشافه، من نعمة إلى لعنة. وما الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 تحت ذرائع واهية – أثبت التاريخ بطلانها – سوى بداية لمرحلة جديدة من الاستعمار الاقتصادي والسياسي، تحت غطاء قانوني كاذب اسمه “البند السابع”. وها نحن اليوم، وبعد أكثر من عشرين عامًا على هذا الغزو، لا نزال نعيش تبعات اتفاقيات أمنية فُرضت على العراق في لحظة انكسار، تُكرّس وجود خمس قواعد أمريكية على أراضينا، تُقدَّم لنا في خطاب السلطة باعتبارها “استشارية” و”تدريبية”، بينما يعرف الجميع أنها قواعد احتلال ناعم، لا تختلف في جوهرها عن قواعد الاستعمار التقليدي.
ويا للمفارقة: العراق، الذي لم يحتج في الماضي إلى قواعد روسية أو فرنسية حينما كان يستورد سلاحه من تلك الدول، يُفرض عليه اليوم وجود قواعد أجنبية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وهو الإرهاب ذاته الذي وُلد من رحم الغزو والفوضى التي أعقبت احتلال بغداد.
إن وجود هذه القواعد هو عار على بلد مثل العراق، ليس فقط لما تمثله من انتقاص للسيادة، بل لأنها تكرّس منطق التبعية في وقتٍ يفترض فيه أن يكون العراق قد تجاوز مرحلة الهشاشة. العار لا يكمن في الوجود العسكري وحده، بل في السكوت عنه، وفي تحويله إلى أمر واقع تُبنى عليه السياسات، وتُرسم وفقه ملامح المستقبل.
آن الأوان لحكومة عراقية وطنية منتخبة أن تضع في أولوياتها إنهاء هذا الوجود المهين، واستعادة قرار التأميم الذي مثّل ذروة الإرادة الوطنية، والعمل على إعادة كامل السيادة على الأرض والثروات. فالعراق لا يستحق أن يكون مجرد محطة انتقال أو ساحة تنافس، بل دولة ذات سيادة، قادرة على الدفاع عن قرارها وثرواتها وشعبها.
لا كرامة لوطن تُدار ثرواته من وراء البحار، ولا مستقبل لدولة تسمح بوجود قواعد أجنبية على أرضها.