مصفى النفط العراقي - الصومالي المشترك
احسان العطار
فوجئ العراقيون بمشهد اللقاء الحاصل بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والرئيس الصومالي على هامش مؤتمر القمة المنعقد في بغداد يوم 17 ايار الجاري وهو يطلب مساعدة العراق في إعادة تشغيل مصفى النفط العراقي - الصومالي المتوقف عن العمل في العاصمة الصومالية مقديشو .وبسبب كثرة التعليقات غير الدقيقة على مواقع التواصل الاجتماعي عن الموضوع وكون بعضها لا يتعدى كونه رجما بالغيب وجدت من الضروري ان اكتب هذه المقالة خدمتا للحقيقة وشاهدا على أحداث كانت جزءا من حياتي المهنية الهندسية .
وحيث ان هذا المشروع أخذ من عمري المهني الهندسي حوالي السنتين في تنفيذ مشروع نفطي للمرة الاولى خارج العراق بشكل يختلف عن عشرات المشاريع النفطية التي شاركت في تنفيذها داخل العراق فإن لي ذكريات عزيزة لا تنسى مع هذا المشروع الذي عملت عليه في ذروة شبابي قبل حوالي خمسين سنة بصفة مدير للمشروع في مركز شركة المشاريع النفطية في بغداد ومن ثم مهندسا مقيما عند المباشرة بأعمال التنفيذ الموقعية في العاصمة مقديشو وارجو ان تسعفني ذاكرتي في استرجاع قسم منها .
□ فما هي حكاية هذا المصفى ؟
- في السبعينات من القرن الماضي كانت دولة الصومال في بداية تأسيسها وقبولها عضوا في الجامعة العربية وكان رئيسها الراحل المرحوم محمد سياد بري في زيارة الى العراق وطلب من الحكومة العراقية انذاك المساعدة في بناء مصفاة للنفط في العاصمة مقديشو لتوفير المشتقات النفطية الأساسية ( بنزين السيارات والنفط الابيض وزيت الغاز والنفط الاسود ) بدلا من اعتمادها على الاستيراد الأجنبي في هذا البلد الناشيء الفقير.
الحكومة العراقية استجابت لهذا الطلب وتم الاتفاق بين الحكومتين ان يكون المشروع بتمويل مشترك مناصفة بين البلدين على ان يصرف العراق كافة المبالغ اللازمة لتنفيذ المشروع وحتى اكماله وتشغيله وان يعتبر مبلغ مساهمة الصومال ( وهو النصف ) قرضا للصومال يتم استرداده من عائدات بيع منتجات المصفى .هكذا كانت الاتفاقية المنشورة في الوقائع العراقية ولذلك كانت تسمية المصفى ( المصفى العراقي - الصومالي المشترك )
تم تكليف وزارة النفط التي كلفت ذراعها المنفذ للمشاريع ( شركة المشاريع النفطية ) بدراسة الموضوع وتم تشكيل وفد كنت احد اعضائه للذهاب الى مقديشو لمعاينة الموقع المقترح تمهيدا للمباشرة بإجراء التصاميم الأولية ووثائق المناقصة لهذا المصفى.
وجدنا ان الموقع جميل جدا ومناسب لإنشاء مثل هذا المشروع ويقع مباشرة على ساحل المحيط الهندي على بعد 12 كيلومتراً من ميناء مقديشو .فور عودتنا الى بغداد تم اعداد التصاميم الاساسية ووثائق المناقصة التي فازت بها شركة انجكو الإيطالية لتجهيز المواد والمعدات والقيام بأعمال التشييد للمصفى والذي تضمن جزءين :
1- محطة ضخ في ميناء مقديشو لاستلام النفط الخام العراقي اضافة الى أنبوب يوصل النفط الى موقع المصفى على بعد 12 كيلو متراً .
2 - مصفى متكامل ( وحدة تكرير و خزانات للنفط الخام والمنتجات واذرع تحميل للناقلات اضافة الى مبنى ادارة ومبنى اطفاء ومختبر) لاستلام النفط الخام العراقي وتكريره وتحويله الى منتجات نفطية أساسية بطاقة نصف مليون طن سنويا. عشرة آلاف برميل يوميا .
الطاقة الكهربائية للمصفى كان سيتم تجهيزها من محطة كهربائية كانت تقوم بإنشائها إحدى الشركات المقاولة البريطانية بتمويل من دولة الكويت في موقع على المحيط ليس بعيدا عن موقع المصفى وأثناء عملنا في الموقع كان يتعين علينا التنسيق مع مهندسي الشركة المقاولة لمحطة الكهرباء لضمان تجهيز القدرة الكافية لتشغيل وحدات المصفى.
الاشراف المباشر على أعمال التشييد الموقعي للمشروع تم بشكل مباشر من قبل ملاك هندسي وفني وإداري مناسب من ( شركة المشاريع النفطية ) إلى دائرة المهندس المقيم التي تم تشكيلها في موقع المصفى على ساحل المحيط الهندي في العاصمة مقديشو .معظم الملاكات العاملة أثناء التشييد كانوا من العمالة الصومالية المحلية وهم شعب فقير ولكنه كريم الطباع ويتمتع باخلاق عالية.
انتهى تشييد المصفى وتم اكماله وتشغيله بنجاح بالمواصفات المطلوبة وضمن المدة المحددة ودون تجاوز التكلفة المخططة والتي بلغت في حينها مبلغا اجماليا مقداره ثمانية ملايين دولار .
مع بدء التشغيل التجاري للمصفى وتوفير المنتجات النفطية من خلال تكرير النفط العراقي الذي كان ينقل بواسطة الناقلات التابعة لشركة النقلات العراقية انتهى دور شركة المشلريع النفطية وبدأ دور شركة نفط الوسط التي أوفدت ملاكاً كاملا من مصفى الدورة برئاسة المهندس صادق العباسي لادارة تشغيل مصفى الصومال وتدريب الملاكات الصومالية .
العراق كان وما يزال كريما مع كافة أشقائه العرب وبشكل منقطع النظير .حيث كان على دولة الصومال بموجب الاتفاقية والقرض الموقع بين الطرفين ان يدفع نصف تكلفة المصفى من عائدات بيع المنتجات ولكن الذي حصل هو ان العراق قبل الحرب العراقية الايرانية كانت لديه وفرة عالية من الأموال وتعبيرا عن مساندته للشعب الصومالي الشقيق فقد تبرع بقيمة القرض الممنوح للجانب الصومالي حسب اتفاقية انشاء المصفى المشترك واصبح المصفى بالكامل هدية من الشعب العراقي الى الشعب الصومالي الشقيق. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن حيث لم تمض فترة طويلة على استفادة الصومال من المصفى حتى اندلعت الحرب الأهلية فيه والتي اكلت الاخضر واليابس وانقطعت أخبار هذا المشروع العزيز علي واغلب الظن انه تعرض الى الضرر الجسيم والتوقف بالكامل عن العمل .
السؤال الذي يطرح نفسه هل سيستجيب السيد رئيس الوزراء العراقي الى طلب الرئيس الصومالي لإعادة تصليح المصفى ؟
اذا كان الجواب نعم، فان على العراق أن يبعث وفدا مشتركا يضم شركة المشاريع النفطية وشركة نفط الوسط لتقييم الأضرار وتخمين كلفة التصليحات وانا مستعد لتوفير اية معلومات عن المشروع يحتاجها مثل هذا الوفد. علما ان كلفة التصليحات اليوم هي بحدود عشرة أضعاف كلفة انشاء المصفى بالكامل في منتصف سبعينات القرن الماضي اذا ما اخذنا نسبة التضخم في اسعار المواد والمعدات والأجهزة النفطية بحدود العشرة بالمائة سنويا في الوقت الحاضر.
□ مدير المشروع والمهندس المقيم
لمشروع المصفى العراقي الصومالي المشترك
□ عن مجموعة واتساب