الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة في المشروع الفكري للدكتور فاتح عبد السلام

بواسطة azzaman

قراءة في المشروع الفكري للدكتور فاتح عبد السلام

الرواية كفلسفة وتعدّد الهويات الثقافية

محمد غاني

 

يمكن لرواية «عندما يسخن ظهر الحوت» للروائي العراقي فاتح عبد السلام  أن تعد بحق عملا أدبيا فريدا يجمع بين الخيال العلمي والتصوف والفلسفة في تمازج سردي منتهي النظير.

إن هذه الرواية التي نالت جائزة الدولة في العراق عام 1993  لتقدم رؤية استشرافية لمستقبل البشرية من خلال صراع بين الرؤى الفلسفية للشرق والغرب.

تتأسس الرواية على مقارنة ماتعة و بعيدة النظر بين الجذور الفلسفية للعقل العربي ونظيره الغربي، حيث يطرح  دكتورنا عبد السلام من خلال شخصياته إشكالية الهيمنة الغربية المادية و يفتح آفاق بدائلها الشرقية الروحية.

فهاهو العنوان نفسه «عندما يسخن ظهر الحوت» يشير إلى أسطورة نشوء الكون على ظهر حوت، وهي صورة أسطورية يمكن ان يسقطها القارئ على مجمل البنية الذهنية للعمل مما يدل على ذكاء الكاتب على قدرته الفائقة على كتابة نص متعدد الأوجه قابل لتأويلات متنوعة .

في هاته الرواية الماتعة ، نجد حواراً فلسفياً مكثفاً بين البطل الشرقي الذي جعله الكاتب مجهول الاسم عمدا وأبيه، حيث يناقشان قضايا مشفوعة بأقوال فلاسفة غربيين مثل برتراند راسل، لكن مع تفوق واضح للرؤية الشرقية.

 وإن مما يمكن استنتاجه ان الأب يتفوق على راسل لأنه يستنبط «الحقائق من الأوهام» بينما تظل فلسفة راسل «رياضية مثالية» .

بعد روحي

يبرز في الرواية بعد آخر للكاتب، حيث ان مشربه الروحي المتصوف واضح جلي، ففي الحديث عن معرفة الله تعالى، حيث تؤكد النصوص أن «من عرف الله اتضح له الطريق». هذا البعد الروحي يشكل نواة الرؤية البديلة التي يقدمها صاحبنا البهي للحضارة الغربية المادية .

الرواية تزخر بالإشارات الدينية والصوفية، مثل العبارة المقتبسة من القرآن الكريم «فما بكت عليهم السماء والأرض»، والتي تعكس رؤية المؤلف الروحية للعالم. كما تظهر ممارسات دينية مثل انتظار الأب انتهاء ابنه من صلاة الجمعة، مما يعمق الإحساس بالبعد الروحي للحياة.

من الناحية الفنية، تمثل الرواية نقلة نوعية في مسار الرواية العراقية  حيث تزاوج بين أدب الخيال العلمي والواقع المرير للإنسان . كما تناول باحثون آخرون الجوانب البنائية للسرد والحوار في هذه الرواية التي يتجدد موضوعها وهيكلها السردي مع السنوات .

الزمن في الرواية «مختلط ورجراج وواسع» بحسب التحليل النقدي، حيث «الماضي يسير على عجلة المستقبل والحاضر يُنتقد بالإحالة إليه»، بينما يمتد المستقبل حتى حدود القرن التاسع والعشرين .

شخصيات الرواية توصف بأنها «غير عادية» و»غريبة الأطوار»، مجلوبة من أنحاء متخيلة للمستقبل الغامض. البطل الشرعي لا يحمل اسماً، مما يعزز طابعه الرمزي، وله صديق لا يحاوره إلا في قضايا العلوم والسيطرة الكونية للمعلوماتية .

الرواية تقدم أيضاً صراعاً بين الأنس والجن، حيث يحبس الأب الجن في جرار مخبأة، ويقترح الصديق الاستعانة بأرواح الجن لتحقيق النظرية العلمية، قائلا: «الانس محدود الطاقة ونحن تنقصنا الطاقة الخارقة» . هذا المزج بين العلمي و الميتافيزيقي يشكل سمة أساسية في عمله الروائي ذو النفس الابداعي الظاهر للعيان.

بعض النقاد مثل  ينتقدون الرواية لكونها «إنشائية غرائبية تخلط كل شيء بكل شيء، في سياق علمي وخيالي وخرافي منوّع» . لكن هذا الخلط نفسه قد يكون مقصوداً ليعكس تعقيد الرؤية التي يطرحها كاتبنا الرائق.

الرواية حققت حضوراً أكاديمياً لافتاً، حيث شكلت علامة فارقة في مسار الرواية العراقية حسب قرار لجنة التحكيم الذين منحتها جائزة الدولة سنة 1993 و اعيد طبعها في حلة مغربية قشيبة سنة 2025 واقتنيتها بالمعرض الدولي للكتاب بالرباط.

مجرد رواية

«عندما يسخن ظهر الحوت» ليست مجرد رواية، بل مشروع فكري وأدبي طموح يحاول فيه فاتح عبد السلام؛ الروائي والأكاديمي ورئيس تحرير جريدة الزمان في لندن؛ أن يقدم رؤية شرقية بديلة للحضارة الغربية، مستنداً إلى تراث فلسفي وصوفي غني، مع مزجه بعناصر من الخيال العلمي و من الواقع المر.  يبقى هذا العمل  الابداعي للدكتور فاتح عبد السلام علامة مضيئة في الأدب العراقي والعربي الحديث، وثمرة من ثمار عقل مبدع يقيم في ديار المهجر لكنه لم ينفصل عن جذوره الثقافية والفكرية العميقة.


مشاهدات 66
أضيف 2025/05/20 - 4:23 PM
آخر تحديث 2025/05/21 - 3:34 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 295 الشهر 26516 الكلي 11020520
الوقت الآن
الأربعاء 2025/5/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير