الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ترامب يعود إلى الخليج والعراق يُترك خلف الأسوار

بواسطة azzaman

حين يتحدث المال وتُخرس الكرامة

ترامب يعود إلى الخليج والعراق يُترك خلف الأسوار

شوقي كريم حسن

 

اشارات تحريضية

مقطع من كلمة ترامب خلال زيارته الأخيرة للرياض (2025):

لقد عدتُ إلى الخليج لأن هنا تُبنى الشراكات، وهنا يُصنع الاستقرار… أما من لا يملك رؤية، فلا مكان له على طاولة المستقبل.”عاد دونالد ترامب إلى الخليج بعد سنوات من الغياب، لا كرئيس سابق فحسب، بل كرمز لتيار أمريكي استعلائي ينظر إلى الشرق الأوسط من ثقب المصالح المجردة، ويعيد تصنيف الحلفاء على أساس من يدفع أكثر، لا من يضحي أكثر. زيارة خاطفة، لكنها مشحونة بالرسائل، وعقود بالمليارات، وصورٍ توثق احتفاءً سياسيًا وإعلاميًا لا تخطئه العين. وفي خضم هذه الضوضاء، ظل العراق غائبًا… لا على الهامش فحسب، بل كأنه لم يكن يومًا دولة.ترامب، الذي طالما عبّر عن امتعاضه من العراق، لم يُخفِ استغرابه سابقًا من بلد “ينام فوق بحر من النفط ويستجدي القروض”. ولم يكن ليدرج بغداد في جدوله، رغم قربها جغرافيًا، لأن بغداد، في نظره، لم تعد تستحق الزيارة، ولا تصلح حتى أن تُمنح فرصة المشاركة. ليس لأن في الخليج من حال دون ذلك، بل لأن العراق لم يعد يجيد تمثيل نفسه.دول الخليج، التي استقبلت ترامب بحفاوة، لم تلتفت حتى مجاملة إلى استدعاء العراق، رغم اشتراكه في ملفات الأمن والطاقة، بل ربما لأنها تدرك أن لا شيء يُرجى من دعوة دولة مشلولة الإرادة، تسودها طبقة سياسية أحرقت ما تبقى من هيبة السيادة في صفقات فساد يندى لها الجبين. فلماذا تدعو طرفًا لا يستطيع ضبط حدوده، ولا حماية نفطه، ولا منع تهريب ملياراته عبر بوابات المصارف والوزارات؟

زيارة ترامب كانت لحظة فرز حاد. من هو فاعل؟ من هو متماسك؟ من هو مستعد أن يُفاوض بقوة ويؤمن بشراكته الاستراتيجية؟ الخليج قدم نفسه كلاعب إقليمي حيوي، بمؤسساته وأجهزته المالية واستقراره السياسي. أما العراق، فما زال يبحث في طاولات التفاوض عن معنى للوطن، بينما تُنهب موارده في العلن، ويُدار عبر تقاطعات خارجية تضعفه أكثر مما تقويه.ترامب لم يزر بغداد لأنه لا يرى فيها إلا فشلًا سياسيًا موثقًا، وطبقة حاكمة عاجزة عن إنتاج بديل حقيقي. العراق، في عهده وبعده، لم يكن شريكًا، بل ملفًا معقدًا يُتداول في أروقة المخابرات، لا في مكاتب التعاون.وها نحن اليوم، بعد أكثر من عقدين على الغزو، لا نملك إلا أن نغني كأمهات العمارة حين صاح بهن المذياع ذات يوم:

نفط الخليج

يا رايح البرلين… خل هتلر يجينه!”

لكننا نغنيها اليوم بمرارة أشد، نقول:

تعال ترامب… شوف اشصار بينه!”

كل شيء في العراق يُسرق: النفط، القمح، الطفولة، أحلام العائدين من الجبهات. وكل شيء يباع: الكرامة، القرار، والأمل. فلماذا يزور ترامب بلادًا لا تؤمن بذاتها؟ ولماذا تُدعى بغداد إلى مائدة الكبار وهي ما زالت تلوك خيباتها بلهجة التبعية والتخندق؟

في الخليج، وُقعت العقود. وفي العراق، وُقعت الدماء. ترامب ذهب حيث تُصنع القرارات… وتركنا في الظل، حيث تُصنع الخيبات. …تركنا في الظل، حيث تُصنع الخيبات، وتُعاد صياغة المأساة بلهجات الوهم الوطني، وتُلقى الخطب الجوفاء في قاعات البرلمان الخالي من الوطنية، الممتلئ بالصفقات، والمثقل بلجان تدفن الحقائق.ترامب لم يزر العراق لأنه لا يرى في نخبه سوى رجال أعمال بثياب حكّام، يتقنون لغة المناورات المالية أكثر من فهمهم لأوجاع الناس. بلد تنهب موازنته السنوية في مزادات المقاولات، وتسلب أراضيه تحت واجهات الاستثمار، وتُقصى كفاءاته باسم التوازن المكوناتي.

أي زيارة تلك التي تستحقها بغداد؟ أي دعوة يمكن أن تُوجه لدولة تقف على قدميها بالاستدانة، وتنهار تحت سطوة المحاصصة والفصائل؟

حسابات حزبية

لا أحد في الخليج، على الرغم من روابط الدم والجغرافيا، يريد أن يسمع أنين العراق. لقد تحوّل الأنين إلى نشاز، إلى صوت نشاز يفسد سيمفونية الاقتصاد والسياسة الجديدة. وحتى في لحظة استذكار، لم يرد اسم العراق إلا كحاشية على تقرير أمني، أو كمثال لما يجب ألا يكون.ترامب ذهب حيث تُحترم الصفقات ويُحمى رأس المال، لا حيث تُصفى الحسابات الحزبية على منصات القضاء، وتُدار مؤسسات الدولة كأنها غنائم حرب. في الرياض، قرأ الأرقام… في أبوظبي، التقط صورة مع المستقبل… في الدوحة، رسم خرائط جديدة للتعاون. أما بغداد، فظلّت تقرأ بلاغات النصر على أطلال الموصل، وتحصي أسماء الشهداء في قوائم تنتهي بالإهمال.يا لهذا العراق الذي ينام على براكين من الذهب الأسود، ويصحو كل صباح على قوائم العجز المالي!

يا لهذا الوطن الذي يصدر العلماء ويستورد الدجل!

يا لهذا البلد الذي قايض سمعته التاريخية بلقب “الدولة الفاشلة” في تقارير المراكز الدولية!

ترامب، ببراغماتيته الباردة، لم يخطئ في تجاهله لنا… هو فقط تصرف كما يتصرف كل من يفهم قواعد اللعبة.

أما نحن، فبقينا نطرق الأبواب المغلقة، نطلب حضورًا لا يُمنح إلا لمن يملك أدواته.وها أنا، ابن تلك النسوة اللواتي غنين يومًا لـ”هتلر”، أجلس عند ضفاف دجلة الذي جفّت دموعه، وأردد أغنية أخرى:“تعال ترامب شوف اصار بينه…”لا رجاءً، ولا حبًا، بل توثيقًا مرًا لحقيقة لا نريد أن نواجهها:نحن لا نُستدعى، لأننا لم نعد جديرين بالدعوة.في الخليج، يُصنع الغد…وفي العراق، نُدفن في الأمس.!!


مشاهدات 75
الكاتب شوقي كريم حسن
أضيف 2025/05/20 - 4:22 PM
آخر تحديث 2025/05/21 - 5:39 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 332 الشهر 26553 الكلي 11020557
الوقت الآن
الأربعاء 2025/5/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير