الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
زيارة لم تكتمل إنسانياً وضميرياً

بواسطة azzaman

زيارة لم تكتمل إنسانياً وضميرياً

فؤاد مطر

 

كانت إطلالة الرئيس الفلسطيني محمود عباس على لبنان بعد طول غياب (وبعد مشاركة في قمة بغداد التي نالت القضية الفلسطينية الإهتمام المتيسر ولم يشارك فيها لدواع فاتيكانية الرئيس جوزف عون) زيارة بروتوكولية في معظم فعالياتها. وكانت فرصة كي يقول الرئيس الفلسطيني أمام الرؤساء جوزف عون ونبيه بري ونوَّاف سلام فرسان العهد الجديد للدولة، التي ينتظر شعبها ترجمة وعودهم وأقوالهم إلى أفعال، ما يتعلق بالسلاح الفلسطيني هذه الحالة الكثيرة التعقيد لإيجاد الحل الحاسم لها شأنه في ذلك شأن السلاح الذي في حوزة «حزب الله» والذي بعد إستشهاد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله باتت حال الممسكين به كما حال الممسك بالجمر أو بقنبلة يمكن أن تنفجر في أي لحظة. وإستناداً إلى ما أمكن التوافق عليه بين لبنان (الحكومة) وفلسطين (السُلطة) هو «أن تفرض الدولة اللبنانية سيادتها على جميع أراضيها بما في ذلك المخيمات الفلسطينية وإنهاء كل المظاهر المسلحة خارج إطار الدولة اللبنانية وإقفال ملف السلاح الفلسطيني خارج أو داخل المخيمات بشكل كامل لتحقيق حصْر السلاح بيد الدولة والإتفاق على تشكيل لجنة تنفيذية مشتركة لمتابعة تطبيق هذه التفاهمات». ولكي لا يبدو الطرفان (الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة اللبنانية نوَّاف سلام)  كأنهما من دولة صديقة وليسا أبناء القضية الواحدة فإنهما أكدا على نحو ما سبق وأكدتْه دول أوروبية وأسيوية على «ضرورة وقْف الحرب (تفاديا كلمة العدوان) على غزة ورفْض تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه والإلتزام بوقْف إطلاق النار مع ضمان إيصال الدعم الإنساني إلى جميع أنحاء القطاع وإزالة كل العقبات أمام دخول  المساعدات وكل متطلبات التعافي وإعادة تأهيله وإنسحاب الجيش الإسرائيلي وتمكين السُلطة الفلسطينية من إدارته وضرورة تحقيق إدارة إعمار قطاع غزة...». ثم ينتهي التوافق بين رئيس السُلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس الحكومة اللبنانية ناطقاً بما يقوله بإسم رئاسة الجمهورية التي إحتفت بالرئيس عباس (إحتفاء رئاسة برئاسة) إلى تجديد التمسك بحل الدولتين وفْق مبادرة السلام العربية التي من بيروت صاغها وأطلقها وجمعَ الشمل العربي حولها الملك عبدالله بن عبدالعزيز (كان يشغل منصب ولي عهد أخيه الملك فهد رحمة الله على الإثنين) وبهدف أن تمهد المبادرة أمام إجتراح الحل الذي لا حل دونه، وهو إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وبما يحرر الحرم الثالث المسجد الأقصى من موجات الإساءة الصهيونية إليه وإقتحامه بين الحين والآخر وكذلك ممارسة شعائر غريبة ومستهجَنة من جانب أولئك المقتحِمين.

اجتماع موسع

مَن حيث المبدأ فإن المطالب وبالذات ما يتصل بالسلاح الفلسطيني رغم أنه أقل فعالية بكثير من السلاح، الذي أًعطي من الدولة الإيرانية وبسخاء غير مسبوق ﻟ «حزب الله»، مطالب ليس بالأمر السهل تحقيقها بغير التراضي. وهنا كان اجتماع موسَّع يعقده الرئيس عباس خلال زيارته في رحاب مقر سفارة فلسطين في لبنان ويشارك فيه ممثلون لكل الأطياف الفلسطينية في المخيمات من جنوب لبنان إلى شماله وشرقه وبقاعه (مروراً بالعاصمة بيروت التي طالما واكبت مسيرة النضال الفلسطيني ودفعت من التضحيات في سبيل ذلك ما لم تدفعه عواصم عربية أُخرى) ما من شأنه بداية توحُّد الصف الفلسطيني والذي في غياب هذا التوحد  تتغلْب رصاصات البنادق الرشاشة وأحياناً قذائف القنابل على أي تفاهمات بالحسنى. ثم إن كثرة السلاح الفلسطيني بدأت منذ توقيع «إتفاق القاهرة» التاريخي (الإثنين 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 1969) الذي شرَّع وبتوقيع قائديْن باتا في ذمة الله (قائد الجيش اللبناني إميل بستاني والرئيس ياسر عرفات) وإلحاق هذا الاتفاق بما سمي «إتفاق ملكارت» وتشاء الأقدار والصراعات الفلسطينية بين كبار قوم القضية أن يكون المترئس عن الجانب الفلسطيني المقدَّم «أبو الزعيم» الذي بات لاحقاً خصماً وبغرض المنافسة لرفيق نضالهما عرفات الذي عزله وحاول المعزول بناء كيان فلسطيني يواجه به عرفات لكن سعيه لم يثمر.

ثمة بادرة كانت موضع توقُّع الكثيرين حدوثها من جانب الرئيس محمود عباس إلى جانب «اللقاء الأخوي» في رحاب السفارة، وهو إغتنام زيارة لبنان بعد طول غياب، فيذكْر بالتقدير والترحم في كلمة يلقيها أسماء قادة فلسطينيين شجعان إستشهدوا وهم في لبنان في أزمان متفاوتة وتمت مواراتهم الثرى في «مثوى شهداء القضية الفلسطينية» التي تجاور مدافن خاصة بالطائفة الشيعية ومدافن خاصة بالطائفة السُنية. وهو لو إغتنم الزيارة الرسمية وتوجَّه لبعض الوقت إلى المدافن الفلسطينية ووضَع بإسم السُلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله، باقات ورد على أضرحة كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار وصالح العاروري وعزَّام الأقرع ومحمد الريس وغسان كنفاني وخليل عز الدين الجمل وماجد أبو شرار وعميد رموز القضية الحاج أمين الحسيني وأبو حسن سلامة وحنا شاهين جريس (المسيحية)  التي تحوي جثمانها المقبرة إلى جانب جثامين يابانيين وأجانب غامروا بحياتهم من أجْل القضية الفلسطينية.. لو أن الرئيس عباس زار المقبرة تلك وقرأ الفاتحة على أرواح الجميع وطلب من طاقم السُلطة وضْع باقة الورد على كل قبر ومن دون التوقف أمام تصنيف هذا من «فتح» وذاك من «حماس» وأولئك من أحزاب وتنظيمات لا ترتاح لها السُلطة، لكان أراح بذلك ضميره وسجل في تاريخ القضية مأثرة تُذكر له وتُحقق ملامح صحوة تتطور إلى تبديد الصراعات الفلسطينية والتلاقي على ما يزيل المختزَن في القلوب من عداوات.

حيا الله شعب غزة المكابد الصابر على الضيم الإسرائيلي والدولي وحيا مقاتليها الشجعان. وما ضاع حق وراءه مُطالِب ومقاوِم. وحفظ الله فلسطين وهدى غير المهتدين من أبنائها وتنظيماتها إلى سواء التعايش الأخوي بعيداً عن السلاح الذي طالما جرى إستعماله في بعض الأحيان بما لا يخدم القضية.

 


مشاهدات 73
الكاتب فؤاد مطر
أضيف 2025/05/31 - 12:07 AM
آخر تحديث 2025/06/02 - 10:42 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 914 الشهر 2219 الكلي 11136873
الوقت الآن
الإثنين 2025/6/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير