الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الدكتور إبراهيم خليل العلاف .. أستاذاً ومؤرخاً وإنساناً

بواسطة azzaman

الدكتور إبراهيم خليل العلاف .. أستاذاً ومؤرخاً وإنساناً

احمد فكاك البدراني

 

يُعد الدكتور إبراهيم خليل العّلاف استاذاً كبيرا ، ومن أبرز المؤرخين العراقيين والعرب المعاصرين ، الذين ساهموا بشكل فاعل في صياغة الوعي التاريخي الوطني ، والعربي الحديث والمعاصر ، وأثروا المكتبة العراقية والعربية  بمئات  المؤلفات والدراسات والبحوث التي تناولت قضايا التاريخ السياسي والاجتماعي والفكري والثقافي الحديث والمعاصر أيضاً.

لم يكن العلاف مجرد أستاذا جامعيا ، أو باحثا أكاديميا فحسب ، بل كان شخصية فاعلة ومؤثرة في الوسط الثقافي والإنساني ، عُرف بسعة أفقه مع طلبته وزملائه ، وغزارة إنتاجه الرصين ، وعمق تحليله الواعي ، وحرصه على ترسيخ القيم العلمية والوطنية الهادفة. وكم كانت سعادتي غامرة وانا اعمل معه فهو من اشرف على رسالتي للماجستير واطروحتي للدكتوراه في التاريخ الحديث .

واقول وانا اقف عند سيرته الذاتية والعلمية انه من مواليد  مدينة الموصل ، عاصمة نينوى الآشورية ، مهد الحضارة والعلوم، وتخرج في جامعة بغداد  قبل ان تفتح جامعة الموصل وقد درس تاريخ تطور التعليم  الوطني في العراق 1914-1932 بموضوعية وشفافية ، ولهذا تعد دراسته مصدرا مهما من مصادردراسة  التأريخ المعاصر في العراق .

حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر ، وجعل جزء  من اهتمامه الرئيس هو دراسة الحركات السياسية والفكرية في العراق والعالم العربي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين ، فضلا عن التاريخ الاجتماعي والتاريخ الثقافي  .

عمل أستاذًا للتاريخ في جامعة الموصل لعدة عقود ، وترأس قسم التاريخ بكلية التربية -جامعة الموصل (15) سنة من 1980 الى 1995 ، وأشرف على عدد كبير من رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه ، وخرّج أجيالًا من الباحثين الذين تتلمذوا على يديه ، واصبح العض منهم مؤرخين بارزين ورجال دولة معروفين يشار اليهم بالبنان.

إنتاجه العلمي

ألّف الدكتور العلاف أكثر من 70 كتابًا في التاريخ والفكر السياسي ، ونشر مئات المقالات والبحوث في الصحف والمجلات العلمية المحكمة.

من بين أبرز مؤلفاته: “نشأة الصحافة العربية في الموصل «و»تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516-1916 ) و»تاريخ الوطن العربي الحديث والمعاصر» و»تاريخ العراق الثقافي المعاصر في العراق « و» تاريخ تركيا المعاصر « و» العراق والولايات المتحدة الامريكية» و»التاريخ في طبيعته ومدارسه « و»تاريخ العراق المعاصر» و» تطور الفكر العربي المعاصر « و»تاريخ الفكر القومي العربي» و»نحن وتركيا « .

تتميّز أعماله بالرصانة والدقة والموضوعية ، كما أنها تستند إلى مصادر أرشيفية نادرة وشهادات حية ، ما جعلها مرجعًا لا غنى عنه للباحثين والدارسين  والمهتمين.

الدور الثقافي والإعلامي

لم يقتصر دور العلاف على التدريس والإشراف على الطلبة في الجامعة ، بل كان له حضور متميز في الصحافة والإعلام  والثقافة المتخصصة و العامة ، إذ كتب مقالات أسبوعية في عدد من الصحف العراقية والعربية ، تناول فيها قضايا التاريخ والهوية والسياسة والتعليم.

كان حريصًا على التفاعل مع القرّاء ، وكان يُعرف بتواضعه وسعة صدره ، لا يتوانى عن الرد على استفسارات الباحثين الشباب والخد بايديهم وتوجيههم ، وتشجيعهم ومساندتهم.

في كتاباته ومداخلاته، لطالما عبّر العلاف عن انحيازه للوطن ، ودفاعه عن وحدة العراق وهويته التاريخية.

رفض الطائفية بجميع أشكالها ، وعدها تهديدًا خطيرًا للنسيج الوطني العراقي ، ودعا باستمرار إلى التعايش والمواطنة والتعددية الثقافية.

مواقفه السياسية

يملك وعيٌا وطنيا والتزاما أخلاقيا سامياً .

انتقد بشجاعة الكثير من مظاهر الفساد والانحدار في الأداء الحكومي والثقافي ، دون أن يتورط في خطاب شعبوي أو تحريضي.

وكانت له دائمًا رؤية إصلاحية تنطلق من إيمانه بقدرة الإنسان العراقي على النهوض ، وبأهمية دور النخبة الأكاديمية والثقافية في قيادة عملية التغيير ، من خلال عمق معرفته بالتاريخ الاجتماعي والفكري لأبناء جلدته.

ومع كل ما مر به العراق من أزمات، ظل العلاف مدافعًا عن الحقيقة ، ومتمسكًا بقيم النزاهة والاعتدال والكرامة ، وهي مواقف لم تكن سهلة في مناخ مضطرب ومشحون ، لكنها كانت نابعة من رجل آمن بأن التاريخ لا يُكتب فقط في الكتب ، بل في المواقف النبيلة ايضا.

الجانب الإنساني

عرف الناس في الدكتور العلاف وجهًا إنسانيًا نادرًا ، فهو لم يفصل بين دوره الأكاديمي ومسؤوليته الأخلاقية تجاه المجتمع.

تميّز الدكتور إبراهيم خليل العلاف بمواقف سياسية متزنة وواعية ، انطلقت من إحساسه العميق بالمسؤولية الوطنية والتاريخية.

لم يكن من المنتمين إلى حزب سياسي معين ، بل كان مثقفًا مستقلاً حرّ الرأي ، يستند في مواقفه إلى ما يراه حقًا وعدلًا ، بعيدًا عن الانتماءات الضيقة أو الحسابات الآنية.

كان نصيرًا للعلم والثقافة والمعرفة ، ومدافعًا عن الحقيقة التأريخية بموضوعية وأدلة دامغة غير ارتجالية ، وكان مثقفًا ملتزمًا بقضايا وطنه وأمّته ، كما كان يُعرف بدماثة خلقه ، واحترامه لتعدد الآراء ، وحرصه على الحوار البناء.

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، كان للعّلاف موقف واضح من التدخلات الخارجية، حيث عدّها سببًا في تمزيق الدولة العراقية، وتحطيم مؤسساتها، وإضعاف هويتها الجامعة. لكنه، في الوقت ذاته، لم يغرق في جلد الذات أو الخطاب العدمي، بل دافع عن أهمية بناء الدولة الحديثة، عبر الحوار، واحترام القانون، وتغليب المصلحة الوطنية. وخلاصة القول إن الحديث عن الاستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف ، هو حديث عن جيل من العلماء الذين جمعوا بين المعرفة والضمير ، بين الحرفية والرسالة ، وبين الإبداع والالتزام. سيظل اسمه حاضرًا في ضمير الثقافة العراقية والعربية ، علَمًا من أعلامها ، ومثالًا يُحتذى به في البحث والتدريس والموقف.

ولعل المعاصرة لها اثر وتأثير ، فقد زامل علماء كبار لا يسعني المقال إلا لذكر من حفظت الذاكرة اسمه ، مثل الدكتور .فاضل حسين والدكتور كمال مظهر احمد والدكتور عبدالقادر احمد اليوسف والدكتور عماد عبد السلام رؤوف والدكتور خليل علي مراد والدكتور غانم محمد الحفو والدكتور جاسم محمد حسن  العدول . ثم تلاهم جيل آخر تشكل على نهجهم منهم من تلاميذه امثال   الدكتور مزاحم علاوي والدكتور نمير طه ياسين الصائغ والدكتور  عدنان سامي نذير والدكتور عوني السبعاوي والدكتور  خيري شيت .

شهادة ..

عرفته منذ اربعة عقود مضت ، وتتلمذت على يديه في المراحل العليا من الدراسة ، فقد أشرف على رسالتي في الماجستير وأطروحته في الدكتوراه ، لم يكن استاذاً بقدر ما احسني بأنه صديق ..

كان عفيف النفس عالي الهمة ، نزيه العلاقات وأمين المعشر ، يمسك عصا اللين ولا يضرب بها ، تحس بالأمان وانت معه ، طيب السريرة ولا يحمل احقاد ، وكان اداريا عادلا في علاقاته ومتزنا في التعامل ، خبرته بالإدارة كبيرة جدا ، لم يترج بالمناصب العليا لعدم منح ولائه لجهة سياسية ، قلما غزير العطاء .

 

  وزير الثقافة والسياحة والآثار


مشاهدات 128
الكاتب احمد فكاك البدراني
أضيف 2025/05/27 - 3:31 PM
آخر تحديث 2025/05/29 - 4:32 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 287 الشهر 38232 الكلي 11032236
الوقت الآن
الخميس 2025/5/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير