الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رزاق إبراهيم حسن..  موسوعي الثقافة العمالية في العراق


رزاق إبراهيم حسن..  موسوعي الثقافة العمالية في العراق

 

كاظم شمخي

 

في عالم الأدب والصحافة، قليلون من يحملون في أعماقهم عمقًا ثقافيًا يجمع بين الفكر النير، والخلق الرفيع، والالتزام الاجتماعي، كما كان رزاق إبراهيم حسن. شخصية موسوعية، متواضعة في عيشها، عظيمة في عطائها. قلما نجد في فضاءات الثقافة والصحافة هذه الأخلاق التي امتلكها بصدق وتلقائية. رحيله كان خسارة فادحة ليس فقط لعائلته وأصدقائه، بل للمشهد الثقافي العراقي والعربي عموماً، الذي فقد صوتًا جريئًا حكيماً متواضعًا.

إن استذكار رزاق إبراهيم حسن ليس فقط واجبًا على مَن عرفوه، بل على كل من يؤمن بدور المثقف العضوي في تحريك الوعي الاجتماعي والسياسي. كان أديبًا ملتزمًا، صحفيًا محنكًا، ناقدًا متميزًا، وموثقًا عميقًا لتاريخ الطبقة العاملة في العراق.

 مثقف التواضع والإخلاص

 

في عالم تغلب عليه أصوات الكبرياء والغرور، يظل رزاق إبراهيم حسن استثناءً نادرًا، مثقفًا موسوعيًا حمل هموم العمال وثقافة العمل بصدق، وبسط أمامنا نموذج المثقف الحقيقي: متواضع في حياته، مخلص في كتاباته، غني بالفكر، رصين في سلوكه.

هو الذي عاش على هامش الحياة المادية لكنه لم يخذل حلم المعرفة والكتابة، حيث شكلت أقلامه جسورًا بين الواقع الصعب للأجراء والنضال الفكري العميق. اليوم نستذكره لئلا يضيع صدى صوته بين زخم الأحداث، ونحيي في ذاكرة المثقفين روح الإخلاص التي زرعها عبر عقود.

 مدرسة الحياة

في بيئة عائلية متواضعة بمدينة النجف، وجد رزاق نفسه محاصرًا بظروف قاسية فرضت عليه التخلي عن الدراسة النظامية، لكنه رفض أن تكون هذه العقبة نهاية رحلة المعرفة. بجهده الذاتي وانغماسه في القراءة، بنى لنفسه منظومة فكرية واسعة، تشكلت من مزيج بين العمل اليدوي ومعايشة واقع الطبقة العاملة، وبين هاجس الثقافة والبحث.

 

هذه التجربة الصعبة صنعت شخصية فريدة، مزجت بين نضال الحياة اليومية وحب المعرفة، وهي التي منحته بعدًا إنسانيًا واجتماعيًا متكاملًا انعكس في كل كتاباته.

 الرحلة الأدبية والصحفية - صوت العمال وأدب النضال

كانت مجلة "وعي العمال" منبره الذي انطلق منه إلى آفاق الثقافة العمالية، حيث أسس مفاهيم التنظيم النقابي وإدارة العمل والنقاشات الاجتماعية. عبر أقلامه، تبلورت قضايا العمال في العراق، وتحولت معاناتهم إلى خطاب فكري واقعي يربط بين السياسة والاقتصاد والعدالة الاجتماعية.

في الأدب، أبدع في شعره الذي مزج بين الصراعات اليومية والرمزية الإنسانية، محققًا حضورًا مميزًا في الساحة الأدبية، متجاوزًا حدود الأدب إلى النقد الاجتماعي والتاريخ الثقافي.

 المثقف الموسوعي ودوره في النهوض بالنقابات

لم يكن رزاق مجرد كاتب، بل مثقفًا موسوعيًا جمع بين الأدب، التاريخ، الاقتصاد، والسياسة العمالية. كانت مشاركته في ورش منظمة العمل الدولية والاتحاد الدولي للعمال العرب شهادة على مكانته العالمية.

كان حلقة وصل بين قيادات نقابية وأوساط ثقافية، وصاغ لهم خطابات تجمع بين العلم والإقناع، وأشرف على توثيق نضال الحركة النقابية في العراق، مؤسسًا مادة غنية يستند إليها الباحثون حتى اليوم.

 

 نبل الروح وصدق العطاء

 

كان رزاق مثالاً نادرًا للأخلاق والتواضع في مجتمع غالبًا ما يطغى فيه البريق الكاذب. عاش محدود الدخل، متواضعًا، ولكنه غني بالمعرفة والعطاء. لم يسعَ وراء المال أو الشهرة، بل كان همّه تقديم الفائدة للناس، ومرافقة العمال في كفاحهم.

التزامه بالبحث والكتابة، حتى في أصعب الظروف، يثبت أنه كان صاحب رسالة قبل أن يكون كاتبًا أو صحفيًا.

 الإرث والتأثير - منارة الثقافة العمالية

تركت أعمال رزاق إبراهيم حسن بصمة واضحة في الحركة النقابية العراقية، وفي الأدب العمالي العربي. كان أول ناقد يبحث في شخصية العامل في الرواية العربية، وكتب بتوسع عن التراث الشعبي، موثقًا ثقافة لم تهتم بها الكثير من الأوساط.

على الرغم من بساطة حياته، فإن معرفته ونتاجه الفكري يشكلان مرجعية لا يمكن تجاهلها، وينبغي للأجيال القادمة أن تحافظ على هذا الإرث وتطوره.

 بقاء القيم الحقيقية

رزاق إبراهيم حسن لم يكن مجرد اسم في صفحات الجرائد أو الكتب، بل كان روحًا نبيلة جمعت بين الفكر والعمل، بين الشعر والنضال. هو نموذج المثقف العضوي الذي يظل صوته حاضرًا في تاريخ الثقافة العراقية العمالية، محفزًا لكل من يسعى إلى بناء مجتمع أكثر عدالة وإنسانية.

في زمن ضاعت فيه القيم، يبقى رزاق منارة نور تذكرنا بأن المثقف الحقيقي هو من يصنع التغيير بهدوء وإصرار، وأن الموسوعية ليست فقط معرفة، بل إيمان وعطاء مستمر.

 


مشاهدات 147
الكاتب كاظم شمخي
أضيف 2025/05/31 - 12:03 AM
آخر تحديث 2025/06/02 - 2:33 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 842 الشهر 2147 الكلي 11136801
الوقت الآن
الإثنين 2025/6/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير