جذع نخلة
فيصل عبد الحسن
كل دائرة حكومية تطلب منك صوراً مستنسخة لوثائقك من يوم مولدك إلى يومك الحاضر، لأنَّ هذه المؤسسات الحكومية ليس لديها محافظ للأضابير، أو أي أرشيف للمدونات التي يرجعون إليها لاتخاذ أي قرار، وتتعطل مصالح الموظفين القائمين على هذه المصالح الحكومية ذاتها، وتتأخر رواتبهم وهي أصلا لا تكفيهم إلا لعدة أيام من الشهر، وأكثرهم لا يقبضونها في مواعيدها فتتفشى الرشى بينهم، ويسهل على أصحاب المصالح استدراجهم ليكونوا موظفين يعملون لهم وليس للدولة، ويتعطل أيضاً إثبات المواليد الجديدة، ولا تُسجل الوفيات في وقتها إلا بعد وقت طويل وربما يمتد لسنوات على أمل بيع الأسماء لمن يشتري من المرشحين الجدد لمجلس البرلمان وسمعت أن أسماء ميتين ظهرت في أغلب مجالس المحافظات التي تم انتدابها لتمثيل أهلها دون أن يعلم أحد حقيقة إن كان أصحاب هذه الأسماء من الأحياء أو الأموات، فوضى كبيرة للأسف أن البلاد كلها في فوضى إدارية ليس لها مثيل في كل دول العالم.
عادة منظمة
تنسب هذه الفوضى بينك وبين نفسك إلى نمط خاص من أنماط الحكم التي تتعمد خلق هذه الفوضى في دولتها، فهي لها إدارة أمنية خاصة بها تكون في العادة منظمة وفي غاية التنظيم والانضباط في كل شؤونها، أما ما يخص شؤون المواطنين، فتتركهم هذه الحكومات بلا شيء مدون، ولا مدارس يعتد بها، ولا مستشفيات صالحة ولا إدارات منظمة، وكل الأشياء تتداخل في بعضها الآخر في حياتهم اليومية، ولكل مواطن ستُخلق له عشرات المشاكل المزمنة مع الإدارات الحكومية، ومع الناس والتي لا حل ظاهر لها: مشاكل مع العقارات وتسجيلها وقيد سجل الولادات، وتوزيع التركات، والجهات المخولة بعلاج المرضى، والبنوك الحكومية للحصول على الرواتب، وإدارات توثيق الزواجات والطلاقات، وإدارات الوقف.
كل أمر في هذه البلاد وليد لحظته، بخيره وشره، فلا رادع يردع، ما يسبب الشر، ولا من يقول للمُجدِ أنك مُجدٌ ويكافأ على جده. عالم متشابك تغلب عليه الفوضى الجبارة، وعبارة « الله كريم وغداً ستتصلح الأمور» يرددها الجميع، كتسليم تام بالعجز واعتراف بالأمر الواقع المزري، الذي لا مصلح له إلا الله.
ومن يوضع في المعتقل يبقى هكذا حتى تأتي مصادفة طيبة أو حادثة عارضة أو معجزة إلهية لتكون سبباً لإطلاقه من حبسه، فلا محاكم ولا تحقيقات جدية، ولا شيء مما تعارف عليه البشر في البحث عن الحقيقة، لتبرئة المتهمين أو لتجريم المجرمين، وكل يوم يمرُّ يشبه الذي مضى بعسفه ورتابته، وقسوته، فكيف للعاقل أن يبقى ممتلكاً زمام نفسه ولا يُجن في مجتمع كهذا إضافة إلى القيظ الشديد وندرة خدمات كالماء والكهرباء والصحة والرقابة البيئية ؟
طبقة سياسية
وليس لك إلا أن تردد كل يوم، يا الله كل شيء في هذا البلد سيبقى على حاله إنْ لم تحدث معجزة تقتلع كل هذا الطبقة السياسية التي تحكم البلاد، ليبني الشرفاء بلداً جديداً وفق ما تعارفت عليه البشرية، وما توصلت إليه من حلول لإدارة بلدها وإسعاد شعبها.
هذه الفوضى التي تتيح للحاكم أن يبقى يحكم لأطول مدة ممكنة، ولن اسأل نفسي بعد اليوم لماذا أُصيب نصف المعتقلين الذين أطلق سراحهم مؤخراً من السجون بالكآبة الحادة وانفصام الشخصية، والأمراض البدنية المختلفة، فأنا أعرف الجواب مقدماً.
الأمراض العضوية بينهم لا يمكن حصرها: الزحار والتهابات القولون، والسل والجرب، وأنواع الحساسية. آه لو أتذكر اسم جدَّي المبارك الذي كان أبي ينتدبه في المعضلات لكي يفرج الله عنه كل شدة تلم به، وبنا لبركات جدي وعمله الصالح، وكنا كلما وقعنا في مأزق تقول له أمي، أطلب من جدك يدعو لنا الله فورا.
ًولكن أين جدي من كل هذه البلاءات ؟ أنه ذاته إذا حضر سيصرخ طالبا الغَوْثَ من الله ليفرج عنه وعنا كربات أيامنا ويزيل لنا جذع النخلة الذي نبت في باب دارنا؛ فإن قلعناه وقع علينا وقتلنا؛ وأن أبقيناه تعثرنا به ولم نستطع الخروج من ورطنا المركبة .
كاتب مقيم بالمغرب