جسر بين العقل والمشاعر
ثامر مراد
في زحام التجارب والقرارات، يقف الإنسان دوماً على مفترق طرق، تتنازع فيه قوة العقل ومنطق الحساب، مع مشاعر القلب وعفوية الإحساس. وبين هذا وذاك، نصبح في حاجة ماسّة إلى اعتذار، لا للآخرين، بل لأنفسنا.
«اعتذر لعقلك الناضج عن حماقات قلبك..»
كم مرة اندفعنا خلف شعور جميل، حلم عابر، أو لحظة حب بريئة، متجاهلين كل علامات التحذير التي رفعها العقل أمامنا؟ كم مرة سقطنا، وبكينا، وتحملنا وجع الخيبة، لأننا وثقنا بقلبنا الطفولي أكثر مما استمعنا إلى صوت الحكمة بداخلنا؟ العقل الناضج كان يرى الحقيقة بوضوح، لكنه احترم اختيارات القلب بصمت، وها هو اليوم يستحق منّا اعتذاراً صادقاً. «واعتذر لقلبك الطفل عن منطقية عقلك..»
لكن العدل لا يكتمل دون النظر للجهة الأخرى من الميزان. كم مرة خنقنا مشاعرنا باسم المنطق، وكم من فرحة أجهضناها لأن عقولنا رسمت لنا طريقاً بارداً، خالياً من المخاطرة؟ القلب الطفولي بداخلنا حلم، وتمنى، وانتظر، لكنه كثيراً ما قُمع تحت قسوة الحسابات، وتجمّد في زوايا المنطق الصارم. هذا القلب البسيط يستحق اعتذاراً أكبر، لأنه لم يطلب سوى أن نسمح له بالحياة. «أصلح ما بينها وامض..» الحياة لا تكتمل بعقل فقط، ولا بمشاعر وحدها، بل بجسر من التصالح بين الاثنين. أن نضع القلب والعقل في صفٍ واحد، لا في معركة، أن نصغي لكليهما، ونعطي كل موقف حقه، هذه هي الحكمة التي تجنبنا الندم وتجعل خطانا أكثر ثباتاً.
في النهاية، العاقل هو من يحاور قلبه، والنبيل هو من يستمع لعقله دون أن يخون مشاعره. وبين هذين، يولد التوازن، وتنضج النفس، ونصبح أكثر قدرة على السير بثقة نحو غدٍ أفضل.