هل يستقيل السوداني بعد وفاة بشير خالد ؟
فيصل عبد الحسن
من الواضح أن منطق المسؤول غير المسؤول في عراق اليوم ، الذي يستفيد من منصبه في تعيين أولاده وأخوته ومن يستطيع الدفع المالي، ولكنه لا يتحمل أي مسؤولية في عمله؛ فهو في حرز أمين من المساءلة والحساب عما يقترفه بحق الوطن والمواطنين من جرائم يندى لها الجبين، وهذا ما تعلمه المسؤول الحكومي في ظل حكومات المحاصصة في العراق؛ وكأنه ورث منصبه من أرث أهله وليس منصبه هو تكليف من الدولة لخدمة مواطنيها، ففي عرفه أنه كشيخ العشيرة يبقى شيخا مهما بلغت مساوىء إدارته لعشيرته؛ فهو باق لا يتزحزح عن مشيخته ومشيخة أجداده والعار سيلحقه إن فعل ذلك!!
بعد الجريمة النكراء التي انتشرت أخبارها بين أوساط الشعب العراقي، ووضحت للجميع عبر الفيديوات المتداولة أن حياة العراقي مهما كان صغيرا أو كبيرا شابا او شيخا، متعلما أو أميا، فهي لا تساوي شيئاً، فهو ليس إلا حشرة يمكن دعسها بالأحذية حتى الموت السريري والوفاة بعد ذلك!! يحدث ذلك تحت علم الجمهورية العراقية، وتحت أنظار وأسماع شرطة العراق الموكلين من قبل الدولة وبرواتب تدفع لهم من ثروات هذا الشعب المظلوم، لكي يحموا المواطنين من المجرمين، ولكنهم لا يكتفون بالصمت عما يحدث في مواقف المراكز بل و المشاهدة العيانية لموقوفين تمت رشوتهم لضرب المعتقل من قبل أشخاص مدنيين أتوا من خارج مركز الشرطة لضرب الضحية ضربا مبرحا أدى إلى الموت السريري و الدخول في غيبوبة لسبعة أيام توفى بعدها . الضحية !!
نعم الضحية مهندس شاب يدعى بشير خالد عراقي بعمر الزهور أثر مشاجرة مع مسؤول أمني كبير في الداخلية العراقية برتبه لواء صحبة أبنائه يدعى عباس علي التميمي، وماذا تعني حياة مهندس شاب عند وحوش استمرأوا قتل العراقيين وأهانتهم والنيل من أمنهم وحرياتهم طوال أثنين وعشرين سنة من الظلم المتراكم، والأهانة المتواصلة لكل عراقي في ثروات بلاده وفي مستقبل أولاده وصحته واستقلال بلده، فما قيمة حياة مهندس شاب ما دام عراقيا يمكن دعسه بالأحذية حتى الموت بفشل كلوي بسبب التعذيب المبرح في موقف مركز الشرطة ومحاولة طمطمة الجريمة، مادام فاعلها رجل وأبناؤه من ــ حبل المضيف ـ ومن المسؤولين في وزارة الداخلية له معارفه ووساطاته وبرتبة لواء؟ !!
الوزارات العراقية للأسف بقيت حجرات مستقلة في كيان دولة هش لا يد لرئيس الوزراء في تعيين أو أقالة أحد منهم، فهم حصص مقدسة لأحزاب وطوائف لا يمكن السوداني أو غيره المساس بها؛ وهناك كابينة من الأطار التنسيقي، هي المحرك للجميع، هي التي عينت السوداني ذاته في منصبه، ولا يمكن أن تختلف بينها بسبب حياة صرصار عراقي تم سحقه بالأحذية تحت علم الدولة وتحت أنظار شرطتها، الذين أوكلت لهم مهمة الحفاظ على أمن العراقيين وحياتهم وأموالهم وأعراضهم وقد أدوا شرف القسم الذي أقسم عليه ضباطها عند تخرجهم من كلية الشرطة على حماية أمن المواطن والوطن.
وعذرا للتسمية، فهذه التسمية هي التي توضح ما حصل للمهندس العراقي الشاب بشير خالد الذي كان ضحية لفهم ظالم للمسؤول الحكومي العراقي أن كل شيء مباح للمسؤول: دم العراقي وماله وعرضه .في دولة عربية والشيء بالشيء يذكر أن حادثة مثل هذه أخرجت ملايين المصريين إلى الشوارع، وتسببت باستقالة الرئيس المصري حسني مبارك من منصبه؛ وفي الكثير من الدول الأفريقية من الدرجة العاشرة ممن تدعي الديمقراطية وتمثيل شعبها استقالت حكوماتها فورأ وقدم مسؤولوها اعتذاراً لشعوبهم من سوء تصرف شرطي بحق مواطن وليس جريمة اقترفها لواء شرطة وابناؤه وحاولت عدة مراكز شرطة أن تتواطأ معه ومع أبنائه لطمطمة الجريمة !!
رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ليس مبرئا من دم هذا المهندس العراقي، ووزير الداخلية كذلك، والله أعلم كم من الحالات المماثلة حدثت لعراقيين في أقبية مواقف مراكز الداخلية من دون أن تصل إلى الإعلام، ولم يعلم بها سوى أهل الضحايا وتمت طمطمتها بوسائل عصابات المافيا التي تحكم بلادنا من أول دائرة مدينة وحتى آخر مسجد تديره أوقاف الدولة !!
الدولة في المفهوم القانوني عقد اجتماعي بين البشر الذين تمثلهم، وبينها في أن تكون حامية لحقوقهم وكرامتهم الإنسانية، راعية لتحقيق احتياجاتهم الإنسانية من: عمل وسكن وتعليم وصحة وقبل كل شيء أمنهم كبشر يعيشون في مجتمع إنساني فوق كل اعتبار.
حياة كل واحد منهم تفوق أهمية كل منصب وتاج رأس كل مسؤول في هذه الدولة، وحين تخيب الدولة في تحقيق هذا العقد الاجتماعي عليها أن تحل نفسها ليعود المجتمع إلى حياة الغابة حيث يدافع كل فرد عن نفسه وأسرته.
بعد هذا العار والفعل الشنيع، الذي سيبقى طويلا في ذمة هذه الحكومة، وذمة رئيس وزرائها ووزير داخليته وجميع المسؤولين عن هذه الجريمة البشعة؛ فهل يقدم السوداني استقالته واستقالة حكومته ؟لا أعتقد هذا ففي كل ظني أن المقاييس في وطني لا تعمل كما في كل دول العالم المتحضر !!
كاتب مقيم بالمغرب