الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الكتابة.. بين الإبداع الفكري والخيال الإبداعي


الكتابة.. بين الإبداع الفكري والخيال الإبداعي

عصام البرّام

 

تختلف الأعمال الأدبية من مبدع أو كاتب الى آخر وفقاً للإمكانيات الذاتية من تجارب وثقافة يحملها المبدع، وقدرته على تقديم محتوى مميز وأصيل ينفرد به عن غيره، بالأضافة الى شروط ينبغي له ان يصل اليها أو محاولة السعي للإرتقاء اليها بغية الحصول على نتاج إبداعي يقرأه المتلقي بتفاعل مع النص المكتوب. وعليه، فعلى الكاتب المبدع أن يُظهر الأصالة والأبتكار.. وأفكاراً جديدة وأساليب مبتكرة تخرج عن المألوف، وتقديم رؤية فريدة للأحداث والشخصيات والمفاهيم في نصوصه.

 فالمبدع أن يكون لديه عمق الفهم الإنساني والقدرة على أستكشاف مشاعر وأفكار وتجارب إنسانية بعمق، بحيث يستطيع القاريء الشعور بأن النص يتحدث إليه مباشرة، أو يعكس جزءاً من تجربته الحياتية، بالأضافة الى إتقانه اللغوي، إذ يعد الأسلوب اللغوي من أهم الأدوات التي تميز الأديب والكاتب المبدع، حيث يظهر تميزه من خلال أنتقاء المفردات وتوظيف الأساليب البلاغية والرموز، بطريقة تضفي جمالاً على النص وتزيد من تأثيره، وله القدرة على السرد والبراعة في إستخدام اللغة والأسلوب الذي يصل الأفكار بطريقة تجذب القاريء أو المشاهد، فالسرد القوي يجعل العمل ينبض بالحياة، ويجعل العمل الأدبي، قصةً أو  روايةً أو فلماً سينمائياً، أكثرتأثيراً وعمقاً.

فالأديب أو الكاتب، يمتلك من المهارة في إثارة مشاعر القاريء، ويوظّف الخيال والتصورات، سواء كانت السعادة أو الحزن أو التأمل، بحيث يثير القاريء بشكل عميق عما يقرأ، فالمبدع يتقن بناء عوالم متخيلة أو تصوير مشاهد واقعية بطريقة تجعل القاريء يشعر وكأنه جزء من متن النص، ومن خلال قدرته على تخيل عوالم جديدة وأفكار نادرة، فالخيال الواسع؛ هو الأحساس الذي يُبنى عليه الإبداع، إذ يساعد المبدع على تجاوز المألوف وآبتكار قصص أو أفكار غير تقليدية، ويمنح الكتابة بعداً جمالياً وفنياً.

إن أمكانية المبدع على تخيّل عوالم جديدة وأبتكار قصص أو أفكار عميقة ناضجة الخيال ومتجددة، تمنح العمل تميزاً وجاذبية تترك وقعاً على نفسية القاريء أو المشاهد. كما ينبغي على الأديب والكاتب المبدع،  ملاحظة التفاصيل الصغيرة في الحياة اليومية وتحويلها الى أفكار وإلهامات، فالتفاصل الدقيقة تضيف الى العمل مستوى آخر من الدقة والإتقان، مما يجعل التجربة أكثر واقعية وقوة وتأثير. وعليه أن يملك عيناً ترى ما لا يراه الآخرون، سواء في الشخصيات أو الأحداث أو التفاعلات الإنسانية، وأن يُظهر قدرته على ملاحظة التفاصيل الدقيقة، سواء في وصف الشخصيات أو البيئة أو التفاعلات بين الأحداث، مما يضفي واقعية على العمل ويزيد من تعمقه، وعلى النص المكتبوب؛ أن يمتلك روح التفاعل بين الواقع والمجتمع، ويقدّم نظرة نقدية أو تحليلية للواقع، بحيث تُعبّر نصوصه عن قضايا إنسانية وإجتماعية تعكس تفكيره العميق، وتصل الى القاريء وتلامس إحتياجاته وتطلعاته.

فالنصوص الإبداعية، ينبغي أن تمتلك عمق جدل الحياة الإنسانية، أي إنها تلامس الإحساس العميق ومشاعرها وتجاربها، فهذا يساعد على خلق شخصيات حقيقية وواقعية، بالإضافة الى قصص تُلامس القلوب وتثير القاريء وتشبع رغبته ومتعته بالقراءة المستمرة. كما إن المبدعين أن يحملوا على رؤية الجمال في كل ما يحيطه، ولديهم الاحساس بالجمال، سواء في البساطة أو التعقيد، أو في اللحظات العابرة أو المتأملة، هذا الحس الجمالي ينعكس في كيفية تصويرهم المشاهد أو وصف الشخصيات والأماكن ومدى ما ترسمه فكرتهم وخيالهم.

لذا على الكاتب والأديب المبدع، أن يسعى الى إمتلاك الثقافة والمعرفة الواسعة، والإطلاع الواسع على مختلف المجالات الفكرية والفنية والتأريخية، فالثقافة العامة والمتنوعة، تضيف عمقاً الى الأعمال الفنية، حيث تُسهم في بناء شخصيات وأحداث مستندة الى فهم شامل للتأريخ والفلسفة والمجتمع والسياسة، مما يساعد على إثراء العمل بمرجعيات متعددة، وإعطائه بعداً أعمق، فالمعرفة تمكّن المبدع من طرح رؤى متعددة ومناقشة أفكار معقدة بطريقة سلسة وسهلة ومثيرة لإهتمام، وأمتلاكه الجرأة الفنية في تناول الموضوعات الشائكة والتعبير عن الأفكار غير التقليدية.

كما ينبغي له أن يكون مستعداً للخروج عن الأنماط المعتادة، وآستكشاف ما هو جديد وغير مألوف. ومما لا شك فيه، فأن التجربة الشخصية لها أهميتها الكبيرة، فعلى المبدع الاستفادة من تجاربه الشخصية وإعادة صياغتها بأسلوب فني، لكي يضفي على العمل أصالة وصدقاً، فعندما يعبّر المبدع عن مشاعره وتجربته بصدق، يصل الى القاريء بصدق وبشكل أقوى.

ومن الجدير بالذكر، إن على المبدع ان يمتلك القدرة على نقد أعماله ومراجعتها بآستمرار لتحسينها، فالأديب والكاتب الجيد، لا يكتفي بالمسودة الأولى، بل يعيد النظر فيها ويعمل على تطويرها حتى تصل الى أفضل صيغة ممكنة، فإذا تمكن المبدع من تجميع هذه الصفات، يمكّنه أن يخرج بعمل يمتلك من قوة الجذب والتأثير، ويظل خالداً في ذاكرة القرّاء أو المشاهدين،  بغض النظر عن نوع الفن الذي يمارسه لإنتاج عمل مهم وعبقري له تأثير على القاريء أو المشاهد في مختلف الفنون الأدبية والفنية والسينمائية، فينبغي أن يتمتع المبدع الأدبي أو الكاتب بهذه القدرات على الأقل؛ ليشعر مَنّ يطلع على إبداعه بالإهتمام والتقدير لقلمه وفكره وخياله. إن تقبّل المبدعون للنقد والعمل على تحسين مهارات الكتابة عندهم، كذلك الفنون الابداعية الأخرى، فهو جزء لا يتجزأ من رحلة المبدع نحو إنتاج أعمال عبقرية.

فالمبدعون، عندما يمتلكون قدرة التعبير على نقل المشاعر والأفكار بشكل دقيق ومؤثر بحيث يستطيع القاريء أو المشاهد أن يتفاعل مع الشخصيات والمواقف بشكل طبيعي، وينغمر في تفاصيل الأحداث، أؤلئك هم الذين يمتلكون من ناصية الإبداع حقاً. كذلك عليه البحث والدراسة، فالمبدع الأديب أو الكاتب؛ أن يجري بحثاً دقيقاً حول الموضوعات التي يتناولها، لضمان تقديم محتوى ذو مصداقية وعميقة، سواء في سرد القصص الأدبية أو بناء الشخصيات والأحداث الدرامية. إن شغفهم والإنغماس في عملهم الإبداعي يضيف روحاً الى أعمالهم، ويجعله أكثر صدقاً وجاذبية للمتلقي، حيث يشعر القاريء او المشاهد بأن العمل قد كُتب من قلب وعقل مفتوحين، ذلك إن الأعمال العظيمة غالباً ما تتطلب من الجرأة في تقديم أفكار غير تقليدية أو موضوعات مثيرة للجدل، مع تجاوز الحدود المألوفة في التفكير والتعبير. فعلى الكاتب أو المبدع، أن يكون صادقاً مع نفسه ومع عمله، فيحترم رؤيته الفنية دون أن يُملي عليه الآخرون ماذا عليه أن يؤلف من كتابةً أو تصوير أو رسم  أو موسيقى، وغيرها من الفنون الإبداعية الأدبية والفنية.

من هنا ندرك، إن العمل العبقري يتطلب التوازن بين كل ما تقدم، مع التركيز على تطوير المهارات بآستمرار والإنفتاح على التجارب الإنسانية المختلفة، بما يساهم في إنتاج عمل أدبي أو فني أو سينمائي..الخ بحيث له تأثير دائم على المتلقين. فالإبداع ليس نتاج الإلهام فقط، بل يحتاج الى جهد مستمر وعمل دؤوب، والقدرة على الإصرار والإنظباط على التفرغ،  والإلتزام بالعمل على المشروع الإبداعي حتى إتمامه، تلك هي سمة أساسية لدى المبدعين الناجحين، والتي تجعل الأديب والكاتب والفنان مميزاً، وتجعل كتاباته ذات قيمة وإبداع يخلده الزمن ويميزه عن غيره من الأدباء. كما يكون عمله الإبداعي ذو تأثير عالمي، سواء كان أديباً أو كاتباً أو فناناً أو سينمائياً، أو غير ذلك من الفنون الإبداعية.


مشاهدات 64
الكاتب عصام البرّام
أضيف 2025/03/14 - 11:54 PM
آخر تحديث 2025/03/15 - 11:32 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 251 الشهر 7615 الكلي 10568564
الوقت الآن
السبت 2025/3/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير