الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
اتفاقية المياة بين العراق وتركيا

بواسطة azzaman

اتفاقية المياة بين العراق وتركيا

حاكم الشمري

 

يشكّل ملف المياه بين العراق وتركيا أحد أكثر الملفات حساسية في العلاقات بين البلدين، إذ تعتمد بغداد بشكلٍ كبير على ما يردها من منابع الأنهار القادمة من الأراضي التركية، لاسيما نهري دجلة والفرات اللذين يمثلان شريان الحياة في بلاد الرافدين. وفي ظل التغيّر المناخي والجفاف المتزايد، جاءت الاتفاقية الأخيرة بين العراق وتركيا لتفتح باباً واسعاً للنقاش بين من يراها خطوة تاريخية نحو استقرار مائي نسبي، ومن يعتقد أنها لا تتعدى كونها تفاهمات سياسية مؤقتة.

في نيسان من عام 2024 وقّع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاقية تعاون في مجال إدارة المياه تمتد لعشر سنوات. وقد وصفها الطرفان بأنها “إطار عمل شامل” لتبادل المعلومات وتنفيذ مشاريع مشتركة في مجالات الريّ والبنى التحتية المائية، إضافة إلى برامج لتدريب الكوادر وتطوير القدرات الفنية. تضمن الاتفاق وعوداً تركية بزيادة كميات المياه المتدفقة إلى العراق عبر نهري دجلة والفرات، في محاولة لتخفيف آثار الأزمة التي يعيشها البلد منذ سنوات. كما اتُّفق على إنشاء لجنة دائمة للتنسيق والمتابعة بين الجانبين، وعلى فتح الباب أمام استثمارات تركية في مشاريع مائية داخل العراق.

لكن رغم هذه الوعود، فإن الاتفاقية لا تُعد معاهدة دولية ملزمة بالمعنى القانوني، إذ لم تُحدَّد فيها حصص دقيقة وثابتة للمياه، بل اكتفت بتأكيد النية على التعاون وتبادل البيانات. وهو ما أثار قلق عدد من الخبراء والمراقبين الذين رأوا أن الاتفاق لا يضمن للعراق حقه المائي التاريخي ولا يوفّر آليات واضحة لحل النزاعات في حال الإخلال بالالتزامات. كما أشار آخرون إلى أن تركيا قد تسعى من خلال هذه الاتفاقية إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي في العراق، إذ ستتولى شركات تركية تنفيذ مشاريع بمبالغ ضخمة، وهو ما يمنحها حضوراً مؤثراً في الداخل العراقي.

تُضاف إلى هذه المخاوف حقيقة أن تركيا تواصل بناء السدود العملاقة ضمن مشروعها المعروف باسم “مشروع جنوب شرق الأناضول” الذي يمنحها قدرة شبه مطلقة على التحكم بمصادر المياه المتدفقة إلى العراق وسوريا. هذه السياسة التركية القائمة على استخدام المياه كورقة ضغط سياسية واقتصادية تثير تساؤلات حول مدى التزام أنقرة بروح التعاون المعلَن عنها في الاتفاق الأخير. ومع أن تركيا تعلن أن الهدف من مشاريعها هو التنمية وتوليد الطاقة، إلا أن الواقع يؤكد أن هذه السدود تسببت بانخفاض خطير في منسوب المياه الواصلة إلى الأراضي العراقية، ما أدى إلى جفاف مساحات واسعة من الأهوار وتراجع الزراعة وتفاقم موجات النزوح.

من جانب آخر، يرى بعض المحللين أن الاتفاقية رغم هشاشتها القانونية قد تمثل فرصة أولية للعراق لإعادة تنظيم ملفه المائي الداخلي، إذ أن تحسين شبكات الريّ وتقليل الهدر واستخدام التكنولوجيا الحديثة في إدارة الموارد يمكن أن يعزز من قدرته على الاستفادة من أي زيادة في الإطلاقات التركية. كما أن وجود لجنة مشتركة قد يفتح المجال أمام تفاهمات أكثر جدية في المستقبل إذا ما أُحسن استثمارها سياسياً وفنياً.

يبقى السؤال الأهم: هل جاءت هذه الاتفاقية في سياق سياسي لامتصاص الضغوط الداخلية والإقليمية، أم أنها تمهّد فعلاً لمرحلة تعاون مستدام؟ بعض المراقبين لا يستبعدون أن تكون للاتفاقية أبعاد انتخابية، خصوصاً مع سعي الحكومتين إلى إظهار إنجازات ملموسة أمام شعبيهما، في حين يرى آخرون أنها خطوة ضرورية، حتى وإن كانت رمزية، لإبقاء قنوات الحوار مفتوحة في زمن الأزمات المائية المتصاعدة.

ما يمكن قوله إن العراق اليوم أمام تحدٍّ مزدوج؛ فهو مطالب بمتابعة تنفيذ ما ورد في الاتفاقية وضمان عدم تحويلها إلى حبر على ورق، وفي الوقت نفسه بإعادة بناء منظومته المائية والزراعية المنهكة ليكون قادراً على استثمار كل قطرة تصل إليه. فالماء في المنطقة لم يعد مجرد مورد طبيعي، بل أصبح أداة نفوذ ومصدر صراع، ومن لا يملك خططه ومشاريعه الخاصة سيبقى رهينة قرارات الآخرين.


مشاهدات 76
الكاتب حاكم الشمري
أضيف 2025/11/03 - 3:34 PM
آخر تحديث 2025/11/04 - 5:28 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 143 الشهر 2472 الكلي 12363975
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/11/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير