الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
طويريج والسراي والقصبة حكايات من ذاكرة العراقيين

بواسطة azzaman

طويريج والسراي والقصبة حكايات من ذاكرة العراقيين

رياض الحسيني

 

تعد اللهجة العراقية واحدة من أغنى اللهجات العربية وأكثرها تنوعا في المفردات إذ تختزن في طياتها تأثيرات لغوية عديدة بعضها عربي الجذور وبعضها الآخر فارسي أو تركي أو إنجليزي. هذا التنوع ليس وليد الصدفة بل هو نتيجة قرون من التفاعل الثقافي والتجاري والاحتلالات المتعاقبة التي شهدها العراق حيث يترك كل احتلال بصماته على اللسان العراقي قبل أن يغادر أرضه! الغريب ان اللغة الهندية هي الاخرى قد اثرت في اللهجة العراقية رغم انه ليس هناك احتلال هندي للعراق الا ان العامة قد تداولت مفردات هندية من قبيل (كشخة، بنكه) يبدو انها قد وصلت الينا عبر التبادل التجاري والموانئ او حين شارك الهنود في صفوف الجيش البريطاني الذي احتل العراق بعد الحرب العالمية الاولى!

من مفردات الاحتلال الانجليزي التي دخلت اللهجة العراقية (كلاص، هيتر، ترافك لايت، سرنجه، تمّن، بوري، بم، بلنص، صالنصه) وغيرها. تجدر الاشارة هنا الى اني ولدى بحثي في الكلمات الدخيلة على اللهجة العراقية قد وجدت أن مدينة (طويريج) العراقية التي هي ضمن الرقعة الجغرافية لمحافظة كربلاء باعتباره قضاء تابع اداريا لمحافظة كربلاء ماهي الا كلمات انجليزية أصلها (Two way reach). بيد اني لست جازما بهذا المرجع لان لغتنا العربية تحمل كلمة (طريق) وكما هو متعارف في اللهجة العراقية فان العراقيين من الشعوب المحبة لتلطيف الكلمات والمفردات وبما يتناسب مع الجو العام فتراهم مثلا يطلقون كلمة (نهير) على النهر وبالتالي كانوا ولازالوا وخصوصا في الارياف يستخدمون كلمة (طريج) للدلالة على الطريق العام وأظن منها قد جاءت تسمية (طويريج) للتدليل على الطريق الفرعي او الممر النيسمي الضيق.

دخل الاحتلال العثماني للعراق عبر سنواته الطوال على اللهجة العراقية ولازالت مفرداته تتداول حتى يومنا هذا من قبيل (صوبة، قنفة، بقجة، جنطة، باجي، جكمجه وجكمه) وغيرها. كما لايخفى علينا المفردات الفارسية التي دخلت على اللهجة العراقية مثالا لاحصرا (خوش، خاشوكه، روزنامه، خاتون، خرده، جطل، خانة، خان، سراي) وغيرها. بيد ان بعض المفردات قد اختلف فيها المؤرخون حيث ينسبها البعض منهم الى اصول فارسيه بينما يرجعها البعض الاخر الى العثمانية او التركية من قبيل (دولاب)!

(السراي) التي تحوّلت بمرور الوقت عند العامة الى لفظة (الصراي) لسهولة النطق هي ليست كلمة عثمانية كما يظن البعض بل هي كلمة من أصل فارسي (سراى) قد تم تعريبها في عهد العثمانيين وكانت تطلق على المبنى الحكومي الكبير او القصر الفخم ايام الاحتلال العثماني للعراق ونظرا لوجود مركز الشرطة ومايمثله من ترجمة فعلية على ارض الواقع من سيطرة الحكومة على مدينة ما او قرية ما فكان يطلق عليه السراي او الصراي اذن هي مفردة فارسية تم تعريبها عبر اللغه التركية او الاحتلال العثماني للعراق وباقي الدول العربية والاسلامية. وحتى وقت قريب كانت تستخدم هذه المفردة ليس في العراق فحسب بل وحتى في مصر الشقيقة حيث لازال الناس يتداولونها حتى يومنا هذا بل وهناك أماكن تحمل هذا العنوان مثل صرايا عابدين وصراي الحكومه وصرايا العمدة وغيرها.

في اطار التحليل اللغوي يمكن ان تكون كلمة السراي قد جاءت من (سريّه) وهو مصطلح متعارف عليه ضمن السياق العسكري للجيش والذي يعني مجموعة من افراد الجيش ونظرا لتمركز هذه المجموعة في ذلك المبنى المحصّن فقد جاءت تسمية السراي للمكان مطابقة ومحاكية للواقع ولكني استبعد ذلك وأميل الى ان كلمة سراي ذات اصول فارسية قد تم تعريبها واستخدمت بنطاق واسع خلال فترة الاحتلال العثماني للعراق وبعض الدول العربية والاسلامية.

مفردة عربية الاصل في طريقها نحو الاندثار (القصبه) وهي تعبير عن مركز المدينة او المكان المرتفع المحصّن الذي لاتغمره المياه. تم تداول تلك المفردة بكثرة في جنوب العراق لما تتمتع به تلك البيئه من أهوار غامره بالمياه على مدار سنين وقرون الامر الذي جعلها عرضة للفيضانات اكثر من غيرها من مناطق العراق وبالتالي فهي اولى بتداول (القصبه) من غيرها فتجد العامة كثيرا مايقولون ذهب فلان الى القصبة وجاء فلان من القصبة وهو أمر مشابه لما تداولته اللهجة المصرية الجميلة فتجد المواطن المصري الذي يقطن اماكن خارج حدود العاصمة المصرية القاهره يقول (انا نازل مصر) او (لسه جاي من مصر) ورغم انه يعيش ضمن حدود الدولة المصرية الا ان العادة قد جرت على اطلاق مفردة (مصر) على العاصمة المصرية القاهره تماما كما تداول العراقيون (القصبة) للدلالة على مركز المدينة.

 


مشاهدات 77
الكاتب رياض الحسيني
أضيف 2025/11/03 - 12:58 AM
آخر تحديث 2025/11/03 - 7:49 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 230 الشهر 1749 الكلي 12363252
الوقت الآن
الإثنين 2025/11/3 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير