الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عبد الحسين شعبان إنموذجاً.. النجف تكرّم مبدعيها


عبد الحسين شعبان إنموذجاً.. النجف تكرّم مبدعيها

إبراهيم بحر العلوم

 

ليس غريبا ان تكرم المنتديات الثقافية في النجف، وخصوصا منتدى ال سميسم الثقافي، الكاتب والمفكر الدكتور عبد الحسين شعبان، فهو نبتة معطاءة من هذه الحاضرة الثقافية، نشأ فيها ونهل من علومها وبقي مرتبطاً بها. وقد عزمت لحضور الأمسية الرمضانية تكريماً للمحتفى به، وتثميناً لهذه المبادرة الرائعة.

اثارني تساؤل احدهم وانا في طريقي الى النجف: اليس من الغريب ان يتأخر تكريم النجف لمبدعيها، بينما سبقته أربيل وبغداد وبيروت والعالم العربي!!. لكن الحقيقة ان العلاقة بين الدكتور شعبان والنجف لم تنقطع ابداً، بل ظلت راسخة رغم مرور السنوات.

مضلة كبيرة

الوفاء لحاضرة النجف: منذ نشأته النجفية، ظل الدكتور شعبان يرى النجف وبغداد واربيل على مسافة واحدة، فالعراق هو المظلة الكبيرة التي تحتضن الجميع، والنجف كحاضرة متميزة لها تاريخها واصالتها، كان لمدرسة النجف اثرها العميق في مسيرة علمائها ومثقفيها وعاشقيها، رغم ان البعض تنكروا لهذه البيئة لاحقاً، ظل الدكتور عبد الحسين شعبان وفياً لها، يستذكر حكاياتها، ويكتب عن بيئتها و علمائها ورجالاتها السياسية والثقافية و وجهائها بكل فخر واعتزاز.   

لقد تأثر الدكتور شعبان بمناخ النجف الفكري الجدلي مما اسهم في تطوير مهاراته النقدية. كما انسجم مع انفتاحها الثقافي فتعزز لديه الايمان بالتعددية وحرية الفكر. ولم يقطع علاقته بتراثها الفكري بل ظل يعيد قراءته وتحليله برؤية نقدية معاصرة فجمع بين الاصالة والحداثة.

استلهم شعبان من مدارس النجف الإصلاحية التجديدية اهتمامه بقضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الانسان. واستمد من فضاءاتها الوطنية ثباته في المواقف السياسية، ونهل من منتدياتها الأدبية والثقافية، فغرست فيه حب الشعر والشعراء فهام بالجواهري ومظفر النواب ومصطفى جمال الدين. كما تأثر بتفاعل النجف مع القضايا العربية والتحررية، مما عمق اهتمامه بالقضية الفلسطنية والكردية فكتب عنها باستمرار. لقد اخذ الدكتور شعبان من بيئة النجف الحضارية ما يحتاجه من أدوات اعانته في مسيرته الفكرية والسياسية والاجتماعية مما جعله حاملاً لارث هذه الحاضرة الثقافية.

أمسية تكريمية بحضور متميزة: تميزت الأمسية التكريمية بحضور حاشد من علماء وادباء وشعراء ومثقفين واكاديمين ووجهاء. وكان البرنامج غنياً بالمشاركات التي سلطت الضوء على ابرز محطات مسيرة الدكتور شعبان الفكرية والنضالية. ومن بين المشاركين الشاعر الاستاذ نجاح سمسم، ورفيق دربه الأستاذ الدكتور شيرزاد النجار، ورئيس الاتحاد العام للادباء والكتاب الناقد على الفواز والمبدع الدكتور عبد الحميد الصايح والأستاذ شبيب صاحب دار النهار في بيروت والشاعر العلوي السيد وجيه عباس. لقد كانت أمسية رمضانية استثنائية تجسد روح الوفاء لمبدعي النجف.

الوفاء لاصدقائه ومحبيه: معرفتي بشخص الدكتور ابي ياسر وفكره تعود الى مرحلة ما بعد غزو الكويت، حيث كانت لقاءاتنا الأولى في مركز اهل البيت في لندن، اما معرفتي بأسرته فقديمة قدم ازقة محلة العمارة التي احتضنت بيوتاتنا

عندما أحاول استنهاض الذاكرة، فان اول ما يتبادر الى ذهني من كتاباته (المشهد المحذوف من حرب الخليج)، صدر عام 1992 من دار زيد للنشر. كان بمثابة بطاقة تعريفية لرؤيته القانونية والنقدية.في التسعينات، كانت عمامة السيد بحر العلوم النجفية تضم الطيف العراقي العريض بتياراته ومكوناته، وكانت العلاقة بين السيد بحر العلوم وشعبان متميزة، قائمة على  احترام الخصوصية، والالتقاء في العديد من المساحات المشتركة.  وكانت برامج المعارضة العراقية آنذاك تجمعنا على العمل معاً ضد النظام الصدامي سياسياً واعلامياً.استمرت علاقتي بالدكتور شعبان حميمية طوال 35 عاماً، وبعد التغيير، شاركنا في العديد من نشاطاتنا الفكرية في معهد العلمين للدراسات العليا وملتقى بحر العلوم. كان دائم الحرص على تلبية الدعوات والمشاركة وفاء لتلك العلاقة. كما ساهم الدكتور شعبان كما فعل العشرات من أصدقاء ومحبي السيد بحر العلوم في موسوعة (مسيرة العطاء)، التي تناولت سيرته وفكره وثقافته والتي سيصدر جزءها العشرون قريباً.في الاستذكار السنوي الأول لرحيل السيد بحر العلوم، كتب الدكتور شعبان مقالة رائعة بعنوان بحر العلوم: السكون الرؤوم!. مستعرضاً محطات من علاقته به، انطلاقاً من النجف وانتهاءً بالنجف. وعُرف الدكتور شعبان ببراعته على كتابة السيرة، مدعوماً بذاكرة قوية للاحداث والمناسبات، وقدرة على التقاط التفاصيل وتحليلها وصياغتها بدقة.

رسالة وفاء

لم يكن الهدف من هذه الاسطر الحديث عن الدكتور عبد الحسين شعبان بوصفه المفكر والموسوعي، فتلك مساحة اخرى لمناسبة قادمة. وانما شدني تكريمه وما شهده من حضور متنوع، لأوجه رسالة شكر وامتنان لأبناء النجف على هذه المبادرات النوعية لتكريم مبدعيها. فهي ليست مجرد تكريم لشخصية فكرية مرموقة، بل هي رسالة وفاء لتاريخ النجف الثقافي واحياء لذاكرتها الفكرية التي اغنت العراق والعالم العربي والإسلامي. كما انها خطوة تتماشى مع اقتراب الذكرى الالفية للنجف، مما يحتم علينا جميعاً تكريس جهودنا للاحتفاء بهذه المناسبة بما يليق بمكانة هذه المدينة العريقة ودورها في بناء الحضارة.

 

 


مشاهدات 398
الكاتب إبراهيم بحر العلوم
أضيف 2025/03/08 - 12:20 AM
آخر تحديث 2025/03/10 - 12:54 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 32 الشهر 4799 الكلي 10465748
الوقت الآن
الإثنين 2025/3/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير