تجنيس الذات في مجموعة شعر ربٌما للشاعر حسن سامي العبد اللٌه
علي إبراهيم
ان تقف عند شيء يفيد الإحتمال ،او الترجيح وتستمر في ذلك ،ما هو إلاّ قناعة من الشاعر إنّ هناك إمكانية لحدوث امر ما ،فهل كانت نصوص الشاعر البصري حسن سامي العبد اللّه تحتمل اختبارات،مواقف معينّة ، ذائقة شعريّة يشارك بها القارىء ومن ذلك عنوانات المجموعة الشعريّة/ربٌما/في ستّة وعشرين نصّاً متنوعة، طويلة العبارة تُشغل القارىء اكثر مما في النصوص،من غرابة في الأسماء ً/تعاليم سرّية من بريد اللّه ،نزهة إلى ماوراء الموت،او اقتباس لسورة : قل هل أتاك حديث النرجس ليجعل من النرجس اسما في الحياة عسى ان تكون النرجس من السعداء رغم عتمة المكان الذي عاشته /بغايات تفرّد الشاعر بها ،ويحتمل اكتشافها للمرسل إليه،محورها الذات ،فلسفة الأنا المتفرّدة وخلاصات الحزن ،الألم، حالة المخاض الأدبي،والتي تجعل الشاعر ينهض مسرعاً من كبوة بكثافة لغوية مضاعفة تشير إلى مهارة شعريّة يختزنها الشاعر،،ولو تساءلنا عن ربّما واحدة تحمل عتبة النص،وعنوان غلاف وقف عندها الشاعر ، فلنا في مقولة الصحفي المصري إيهاب الحضري وأكثر استخدامه لكلمة / ربّما/ في موضوعاته ويقولً (سوف تتكرر كلمة ربّما في الصفحات القادمة ،لأنّ اليقين المطلق اكذوبة)٠ وهذا ما سار عليه الشاعر حسن سامي في نصوصه من المفارقة ،والدهشة، يحشوها الشاعر بما تيّسر له من القريض٠
يبدا نص( هكذا تكّلم علي شريعتي) ص٧/بذكر شخصّية باسمها شكلّت بداية المجموعة قد تكون لإعجاب الشاعر بتلك الشخصية صاحبة مبدأ وملهم ثورة قبل ستة واربعين عاما، وله مقولة عن الإستحمار( هو طلسمة الذهن وإلهاؤه عن الدراية الإنسانية والإ جتماعية وإشغاله بحقّ اوباطل مقدّس او غير مقّدس) ومن هنا جاء إحتمال الشاعر ليعرض للقارىء هذه الشخصيّة بين القبول. او الرفض لافكاره المتطرفّة ٠ يهيم بين الصحراء والقرى يبّث أفكاره ،ووصف لمرحلة عاشها مع الناس٠
اويتُ للصحراء اقترح القُرى
وأصوغ من رمل التّفرد سُكّرا
روحي تفتش في الفيافي عن فمٍ
ما قال خوف السّيف شيئاً منكرا
في عزلتي أخلو بنفسي كي ارى
ما قد يراه النّاس سُرا ً لا يُرى
وتبدو علاقةالإعجاب بمفكر ،او ثائر. قديمة وقد تناولها الشعراء في مرحلة الكفاح ضد المستعمر فكتب الشاعر عبد الوهاب البياتي ومحمود درويش ،وأدونيس، ونزار قباني ،وأمل دنقل. عن القائد الثوري الكوبي جيفارا الذي اتخذت القوى اليسارية، والقومية منه طريقا للتحرر٠ وقد تغيّر المفهوم إلى الإسلام السياسي٠
وفي نص ( مما لا يحكى) ص١٤ / نجد الشاعر يتفّوه بكلّ شيء ينفي فيه ايّ حكاية عن غرابة موقف الإنسان لحظة النسيان او رغبته في مكان آخر يستلهم من حكايات التراث كما في بساط الريح،او رحلة الغياب
لا اشعر الآن إلاّ إنني منسي
لأنني لم اعُد في العالم الاُنسي
سامتطي الغيمة الحُبلى إلى بلدٍ
به النواعير لم تعطف. على الغرسِ
ويصل به الحدّ ان يصور البلدة البائسة، ويفاوض الموت ، والحياة،الأمنيات ٠ وكانّه راصد ٠
اُفاوض الموت كي ينسى مدائنها
فهل نستنا الهي. آية الكرسي
يستبعد الشاعر ياء النداء قبل الهي ؛ لإستفهام بهل التي تحتمل الإجابة ب لا ،وهو يفاوض الموت. برمزية غير الخائف٠
وفي أسلوب الطباق السلبي يعترف بالحياة ،وينفي ذلك لسطوة السيوف على الرؤوس، او اعتبار الإنسان منفي في وطنه.
لنا حياة ولكن لا حياة بها
حيث السيوف تولّت إمرة الراسِ
أمّا نص (نبوءةُ عاشق مرقٌط) ص١٨/ يرسم الشاعر حسن سامي صورة للبطولة من جندي تجمع بين. وعد الورد ،ووعد الحبيبة،ويرتجي جواب الجندي. ٠
هيّا اخي لا حُرُّ يخلف وعده للورد
ما خذل الشقائق منهلُ
هيّا ستسألك الحبيبة في غدٍٍ
عن نزفك القدسيّ ،عمّا تفعلُ؟
ومن افعال الطلبً/ابذر ،اخبر، اكشفً/ يرتّب صورا للحوار بين الجندي ، وصاحب السلاح عن الإيمان ،والخيانة، وصوت اختلط مصدره٠
ابذر يقينك في السماء ترابُنا
الأرضي لا يسعُ البذور ستافلُ
اخبر عشيقتك التي ما خنتها
عن الف عُصفور عليكَ تنزّلوا
واكشف لها عن سِرّ قبرة تُغنّي
والقذائف باسمها تتسحّلُ
………………………………………………………………………………………………………………………
وما دمنا في احتمال او ترجيح الشاعر حسن سامي العبد اللّه، فهو يقترح مع جواب( القصيدة بلا عنوان ً…لأنّ العناوين لا تكفي) ص٢٥/ نصّ في الرفض من الشاعر للراحل الشاعر اكرم الأمير وغربته في الوطن ٠ ترجّل عن حياة دون معنى/ لانّا من عراق ليس منّا ٠
ومرثية الشاعر بصورها المتنوّعة تُظهر المرثي ضحية البلاد تهمل ابنها من حقوق العيش،وماتبقّ من المرثي هو قصائدهُ ٠
عزيزي خُذ لروحك اغنيات /ولا تنسَ القصائد حيث كُنّا/ وخذ عصفورة المعنى بعيدا/ إلى غُصن مجاز ليس يُحنى/٠
ويذكره بأنّ قصائده قد انتهت، وياخذ من ارض السواد العراق كناية لعلو شأن المتوفي مما في افواه الناس من متاح للطبقة الحاكمة من عبارة لم يبق إلاّ الهواء فخذوه وكفّو عنّا /ص٢٧
أغانيك انتهت شيئا تراثا/ ففي ارض السواد الموت غنّى / وقال السوسن المشطوب سِرّاً/ هنا حتّى الهواء يموت طعنا/
ويسحب الشاعر العاطفة من المرثي فهو في غاية من الاسى ٠
ملامح وجهك الشعري قالت /بانٌ هواءك المسفوح مُضى/ سجائرك الأخيرة دون جمر / ولا غير الوداع المُرّ يُجنى/
ويطرق الشاعر باب الغزل يجمع بين الحديث والدهشة بحوار مع الأنثى مع وصف لكلّ مظاهر الأنوثة،وما يجمع. الانوثةمع الورد والآس ٠ المكان الميناء ، والقارب ، والشواطىءاشبه بلوحة في الطبيعة يلونها الشاعر بكلمات الزينة بنص ( آخر شهقات المينا)) ص٣٣
ويحدث ان احكي لعينيكِ عنهما
كثيرا ففي موقعيهما الموج ينعس
ببحركِ ياانثاي انثال قاربا
على متنهِ آسُ وورد مُكدّس
وبصورة ادّق هو تغيّر مكان الحرب إلى ذكريات، تستدعي استذكار كلّ شيء بأسلوب حوار قريب من الطفل بشريط من التلقين في نص ( قل هل أتاك حديث النرجس)ص٣٧/
تقول صغيرتي:(بابا) لماذا لراسي مسقط بين الحروب
أنا عصفورة قد جئت سهوا إلى المدن / الضياع بلا دروب
تمّرُ طفولتي من الف باب مفلقةُ بأقفال النشوب
أنا الأخطاء تكبرني كثيرا
هل الألعاب تحسب من ذنوبي؟!
وتقف على الأشياء المتروكة في الحوار
من الصلوات ، من بشماغ جدّي
من النهر القديم ، إلى النضوب
أراجيزي تحّولها الحروب
لخرداتٍ تُرقّطُ بالندوب
ابي خُذني إلى وطنٍ بعيدٍ
عن الحزن المعتق في القلوب
ونختم الديوان الممتع للشاعر حسن سامي من عنوان الغلاف نصّ( رُبٌما اُحلّق على متن. وردة)ص٤٩/ والذي تبدو فيه ذاتيّة الشاعر ان لا تتجانس. مع كلَ شيء من خلال حرف التقليل / رُبّماً/ وتسمو النفس نحو معالي الأشياء/ الغيمة ، النجمة، الكون٠/
هنالك في اللا شيء اشياء جمّة
عن الشجر الفضيّ تحكي بحرقةٍ
ويستعين الشاعر بالمطر من أنشودة المطر للسيّاب بما تملك الأنثى. من رقّة وعاطفة ببداية الغاية( من نون نُسوة)إلى دلالة المكان ( في نون. نُسوة) او يطابق بطباق سلبي بين السُّكر ، والحنظل)
بعيدا عن الغيمات تحمل سُكّرا
إلى حنظل المعنى على متن وردة!
ويكرر اسم ( نرجس) المولود الجديد،وقد خففت من وحدته٠
تجيئين من قلبي إليٌ بنرجس
لانْكٍ يا كُلٌي بُنيٌة نبضتي
لذا شفتاي الآن تبعث قُبلة
إلى كفّكٍ الحاني على راس وحدتي٠/
وإذا كان تجنيس الذات هو ما ذهبت إليه اكثر النصوص، فإنّ المعنى لا يختلف في ايراد مفردات / الموت ،الحياة، الغربة، الأغنيات عن الشعر/
نحن الغريبون هذي الأرض تُنكرنا/ مذ ان نُذرنا لاحلام مؤخرةِ/
ولكن ايراد المعنى يختلف من الحياة كما في نص( آخر كوّة في جدار المعنىً)
تموت على المعنى لتفتح كوّة/ به لانتشال الحقّ من كفّ باطل /
والأسلوب عند الشاعر لقطات جميلة تسترعي القارىء للإنتباه،وليس المتتبع للصورة في نص( أشرعة صوفي عكس الريح) ص٦١/
شيءمن الً''لستُ ادري''كان في عُنُقي
حبلاًيجّر بلاداً خارج النسق
أنا اُفكر افكاري تُحرّضني
على المجيء لوحدي دونما قلقي
فهو كما في مقولة الفيلسوف. ديكارت / أنا أفكر إذن أنا. موجود/ شاعر موجود لا يلازمه القلق٠ في مجموعة رُبٌما الشعرية يكّثف حسن سامي من الثروة اللغوية دونا اختزال،بل غالبا ما تترادف كلمات النصوص بعضها مع. بعض في انزياحات متوالية ، ويحرض على ان يجعل من الصورة الشعريّة متلازمة مع نصوصه يرافقها أوزان العمود بموسيقى شعرية، تراوده النفس ان يستعذب بها كما في نص( من مذكرات نهر أسمر)ص٥٣/
خرجت اليوم من جلدي غريبا
لعّل الشك يقتله الخروج
وعلى استحيائها غُزيتْ كثيرا
وبالبارود غُسّلت المروجُ
والديوان هو من منشورات الاتحاد العام للأدباء والُكتّاب في العراق ضمن المسابقة الأدبية لنتاجات الأدباء الشباب ٢٠١٩، يذكرإنّ الشاعر البصري حسن سامي العبداللّه قد حصل على جوائز كثيرة لمشاركات في الشعر العمودي والذي يجيده ،ويجسّد فيه مقدرته في هذا النوع الادبي٠