فاتح عبد السلام
جميع الأطراف التي تدخل في حروب وصراعات تلجأ لاحقاً الى مراجعة عميقة لحصيلة أدائها بما يوفر ضمانة لوقف الانهيارات والتكسّرات وإصلاح الأخطاء استعدادا للاتي من الأيام. رأينا في إسرائيل كيف تتوالى أوراق الكشف عن الاخفاقات في التصدي لهجوم حركة حماس والفصائل في السابع من أكتوبر العام 2023 وقال قادة إسرائيليون في الشاباك انّ هناك تقصيراً في سرعة الرد واحتواء الهجوم الخاطف الذي اظهر إسرائيل في موقف ضعيف لا يتناسب مع سنوات طويلة من نسج ثياب الأسطورة غير القابلة للقهر التي ترتديها.
أمّا حركة حماس فقد بدأت تصريحات لمسؤولين فيها تتحدث عن اخفاق أجهزة عدة في تنظيمها في أداء المهام الموكلة اليها بعد بدء الهجوم الإسرائيلي لاسيما البري، فيما يعطي الانطباع باعتراف حماس انها لم تكن على استعداد لتلقي هذا الحجم المهول من الرد الإسرائيلي، وانّ نظرية التصدي لردود الفعل على هجوم السابع من أكتوبر جرى النظر اليها من خلال القياس على حروب سابقة خاضتها حركات المقاومة في قطاع غزة مع الجيش الإسرائيلي من دون تقدير موقف سليم لكيفية توفير احتواء معيشي وغذائي لأكثر من مليونين وثلاثمائة الف مواطن من سكان القطاع المحاصر أصلا منذ سنوات. فضلا عن زيادة اعداد « العملاء” الذين لم تستطع حماس احتواءهم والسيطرة عليهم في خلال المعارك الشديدة التي اندلعت طوال خمسة عشر شهرا وكانوا سببا في خروقات أمنية نالت من قيادات كبيرة في حماس.
امّا حزب الله اللبناني فهو في صدد تشخيص الخلل في تركيبته التنظيمية التي لم تكن تتوقع ضربات بهذا الحجم، تصفي قيادات الصف الأول مع الايام الأولى للحرب، مما جعل عنصر السيطرة شبه مفقود، ووسّع من إمكانات إسرائيل في استهداف البنية التحتية للحزب وحاضنته الاجتماعية وأذرعه المالية واللوجستية ، وسمعنا تصريحا من الحزب ذاته قبل يومين ان من أسباب نجاح الضربات ضد الحزب هو وجود خلل تنظيمي عسكري وأمني وليس لذكاء اسرائيل وتفوقها ، وهذا أيضا مؤشر اعترافي على ان المرحلة التي طواها حزب الله مليئة بالأخطاء والخطايا في الأداء السياسي والعسكري والأمني ، لاسيما ان الحزب لم يدرك حجم المتغيرات الاقليمية وإمكانية سقوط حليفه بشار الأسد واغلاق نافذة التمويل الإيراني عبر سوريا.
أيام قليلة مضت على وقف اطلاق النار في جبهات لبنان وقطاع غزة ورأينا مراجعات عاجلة لأوضاع المنخرطين في اتون تلك التجربة المرة. في حين نجد في العراق نموذجين من اغفال المراجعة الذاتية لتجاوز الأخطاء وتصحيح المسارات، النموذج الأول هو اخفاق اقطاب العملية السياسية من الذين في سدة الحكم، طوال عقدين من الزمن، في انتشالها من العاقبة السيئة التي تتجلى ملامحها اليوم في المأزق الشاخص في العلاقة مع “صانعها” الأول وهو الولايات المتحدة.
أمّا النموذج الثاني فهو حزب البعث الذي حكم العراق ثلاثين سنة، ومزقته الحرب بعد أن أوصل البلاد الى حافاتها بسياسات فردية ورؤية منغلقة، لا يعرف الحزب نفسه عنها شيئا. وبرغم التجربة المريرة والدموية والتعسفية منه خلال الحكم احيانا وعليه بعد سقوطه أحيانا اخرى، لم نر شجاعة» ثورية” كنا قد قرأنا عنها في الادبيات الحزبية ، تكون كفيلة بمراجعة الأخطاء وفتح صفحة جديدة بعيدة من مسار الذين تأخذهم « بالعزة بالإثم “.ولم نسمع الا مراجعة خجولة لغزو الكويت. وللحديث صلة وتفاصيل.