الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الزعماء حين يلتقون..  نموذج لقاء ترامب وزيلينسكي

بواسطة azzaman

الزعماء حين يلتقون..  نموذج لقاء ترامب وزيلينسكي

نبراس المعموري

 

تُعد اللقاءات الدبلوماسية بين الزعماء من اللحظات الحاسمة في العلاقات الدولية، إذ تمثل مؤشراً واضحًا على مسارات التعاون أو التوتر بين الدول. فهي ليست مجرد مناسبات تبادل التحيات، بل تُعد منصة لتنسيق المواقف وبناء التحالفات استنادًا إلى المصالح المشتركة والتحديات الراهنة، ومع ذلك قد تتحول إلى ساحة لصراع المصالح عندما يسعى أحد الأطراف لفرض أجندته على حساب الطرف الآخر.

خلفية اللقاءات بين ترامب وزيلينسكي

منذ تولي فولوديمير زيلينسكي رئاسة أوكرانيا عام 2019، كان العالم يترقب كيف سيتعامل مع التحديات الداخلية والخارجية، لا سيما في ظل التوتر المستمر مع روسيا. وفي الوقت نفسه، كانت الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترامب تستعد للانتخابات الرئاسية لعام 2020، ما جعل كل تواصل مع قادة العالم يخضع لحسابات سياسية دقيقة.

وكانت إحدى أبرز المحطات تلك المكالمة الهاتفية في يوليو 2019، التي تحوّلت لاحقًا إلى فضيحة سياسية كبرى؛ إذ وُجهت لإدارة ترامب اتهامات باستخدام نفوذها للضغط على زيلينسكي لفتح تحقيق حول منافسه السياسي جو بايدن مقابل الإفراج عن مساعدات عسكرية لأوكرانيا.

لقد برزت أهمية لقاءات ترامب وزيلينسكي مجددًا في ظل أزمات جيوسياسية متفاقمة، خاصة بعد الاجتماع الذي عُقد في البيت الأبيض في فبراير 2025. جاء هذا اللقاء وسط مخاض عسير بعد رفض زيلينسكي التوقيع على نسخة سابقة من صفقة المعادن النادرة؛ في محاولة لإعادة ضبط العلاقة مع الإدارة الأميركية بهدف الحصول على دعم أمنيّ حاسم يُسهم في وقف توسع الحرب التي يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا.

توقيع اتفاق

في ذلك الاجتماع الذي حضره عدد من الصحفيين وتُركت تفاصيله في العلن، خيّر ترامب زيلينسكي بين توقيع الاتفاق المتعلق بالمعادن أو انسحاب واشنطن من دعم كييف، مما تحول اللقاء إلى مشادة كلامية علنية. فقد اتهم ترامب زيلينسكي بأنه “يقامر بإشعال حرب عالمية ثالثة”، مؤكدًا أنه “لولا تزويدنا بالمعدات العسكرية لكانت الحرب قد انتهت في غضون أسبوعين”. وردّ زيلينسكي بحزم مشيرًا إلى أنه “سمع هذه التصريحات من بوتين خلال ثلاثة أيام”، وانتهى اللقاء بخروج زيلينسكي من البيت الأبيض وبقاء الاتفاق دون توقيع.

تحليل ديناميات اللقاء وآفاق العلاقات المستقبلية

تجلت ديناميكية اللقاءات الأمريكية الأوكرانية في تفاوت موازين القوى؛ إذ دخل زيلينسكي هذه اللقاءات باحثًا عن دعم أميركي لمواجهة التهديد الروسي، بينما استغل ترامب الموقف لتعزيز مكاسبه السياسية الداخلية وتحقيق مكاسب اقتصادية لبلاده.

إن موقف زيلينسكي، الذي وصفه البعض بالشجاع في مواجهة محاولات الابتزاز غير المعلنة من الإدارة الأميركية بشأن المواد الخام، يعكس استمرار الدعم الأوروبي لأوكرانيا، ما منحه القدرة على التفاوض والإصرار على تقديم ضمانات أمنية تتجاوز مجرد وقف إطلاق النار لتشمل وقف أعمال بوتين وتحقيق السلام.

ومع ذلك، يبقى التساؤل قائمًا: إلى متى ستستمر أوروبا في دعم أوكرانيا خارج إطار التوافق مع السياسات الأميركية القائمة على موازين القوى؟ وهل ستتولى أوروبا دور الوسيط لترطيب العلاقات الأمريكية الأوكرانية، خوفًا من انهيار الدعم العسكري والمادي في مواجهة روسيا؟ هذا من جانب من جانب آخر  يمكن استثمار هذا الموقف لتأييد أوكرانيا ودعمها بعد إدراك إدارة ترامب لأهمية ملف المعادن النادرة وما يترتب عليه من مكاسب اقتصادية لها، خاصة في ظل توقعات بركود اقتصادي عالمي عام 2026.

الدروس المستفادة

تظهر  هذه التجربة أن العلاقات بين الدول لا تقوم فقط على مصالح الشعوب، بل تتأثر بالمصالح الشخصية والسياسية للزعماء وكيفية إدارة الحوار الدبلوماسي.

و إن استخدام الدبلوماسية لتحقيق مكاسب سياسية داخلية قد يؤدي إلى أزمات دبلوماسية تستدعي تدخل أطراف وسيطة لتجنب تفاقم الأزمة. كما اكدت  التجربة على أهمية التوازن بين السياسات الداخلية والاعتبارات الخارجية لضمان تحقيق الاستقرار والتعاون الدولي. لقد جسد  اللقاء بين ترامب وزيلينسكي كيف يمكن أن تتحول الدبلوماسية إلى أداة لصراع المصالح بدلاً من أن تكون وسيلة لتعزيز الاستقرار الدولي. كما يُظهر هذا المثال تعقيد المشهد الجيوسياسي، حيث تتداخل التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية في قالب واحد يتطلب حوارًا دبلوماسيًا رفيع المستوى لتحقيق السلام والتعاون المستدام بين الدول.

 


مشاهدات 85
الكاتب نبراس المعموري
أضيف 2025/03/02 - 3:49 PM
آخر تحديث 2025/03/04 - 10:47 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 3 الشهر 2133 الكلي 10463082
الوقت الآن
الأربعاء 2025/3/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير