بين شبكة المفسرين وتفسير القانون
وليد عبد الحسين جبر
طوال اربع سنوات تدّرس كليات الحقوق الطالب عشرات الكتب القانونية التي تتضمن امهات واصول المسائل القانونية لتضعه في نهاية السنة الرابعة على قارعة الطريق وتؤشر له هناك بعد مسافة الاف الكيلومترات يوجد جوهر القانون فتوكل! اول مشكلة او معضلة ستواجه خريج كليات القانون في عمله هي كيفية فهم النص وتفسيره ومن ثم المطالبة بصحة تطبيقه ، في الوقت الذي تسلح ببعض المعلومات غير انه لم يُدّرس علم التفسير، في الوقت الذي لا غني لرجل القانون قاضيا كان ام محاميا ام ممثلا لدائرة عن ذلك والا كيف يتعامل مع النصوص القانونية التي تحكم الدعوى. لا أطيل في المقدمة فقد صدر عن مركز البحوث القانونية في كوردستان العراق كتاب مهم بعنوان (الإبانة : نظرات في تفسير النصوص ) من تأليف الفقيه الراحل (حسن علي الذنون ) والفقيه الحالي ( محمد سليمان الاحمد ) القادمان لنا من الموصل اللذان ارتفعا برأس العراق عاليا كمنارتها الشامخة ، واكمل احدهما الاخر في حضور العراق مؤثرا في المحافل والمكتبات.
لقاء ودي
للكتاب قصة تستحق ان تكون درسا في الوفاء والاهتمام بالعلم والعلماء يذكرها استاذنا الاحمد في استهلال الكتاب قائلا « بدأت في شهر آب من عام 2023، حيث اتصل بي الصديق العزيز الدكتور فتحي محمد فتحي الحياني، وأبلغني بأن حفيد المغفور له الأستاذ الدكتور حسن علي الذنون يريد مقابلتك لأمر هام، وبعد مرور أيام.. زارني الأخ الفاضل الدكتور مازن سامي حسن إلى المركز في أربيل وعرف بنفسه، وقد كان أول لقاء بيننا، فكان لقاء ودياً ولطيفاً، تذكرت من خلاله أحاديث جده عندما كنت أزوره في منزله في المنصور في العاصمة بغداد، نهاية التسعينات وبدايات العقد الأول من هذا القرن، وكيف كان الوقت يمضي بسرعة وكأني في مدرسة أتلقى علوماً متنوعة، إذ كان يروي لي آرائه ومناقشاته وأفكاره عبر عقود طويلة، كما كان يحكي لي تجاربه ومواقفه عبر عصور مضت، تعلمت منها أموراً عديدة، جعلتها لي مبادئ أسير على هديها.كان الدكتور مازن سامي حسن حريصاً على الأوراق التي سلمه إياها جده قبل وفاته رحمه الله، وقد طلب منه أن يختار شخصاً يكمل ما شابها من نواقص، جدير أن يكون مؤلفاً ثانياً للكتاب، قمنا بأخذ صورة من المسودة، اطلعت عليها، قرأتها بعناية وكانت مكتوبة بخط يده رحمه الله صادفتني جمل مقطوعة الوصل، وأخرى غير مفهومة، وثالثة تركها كاتبها للتبييض في مرحلة لاحقة؛ وعلى مدار ستة أشهر...» فالكتاب ليس الا مجموعة اوراق تحتاج اكمال وتنسيق وتنظيم ووفاءً لأستاذه شمّر الاحمد عن سواعده وراح يكمل لنا كتاب اراه بلا مجاملة يستحق ان يكون ضمن منهج كليات الحقوق وليكن « المدخل لدراسة علم التفسير « قرأت الكتاب بإمعان وعلى مهل في بعض الصباحات واوقات الصفاء النفسي لإنني لا اريد ان يشرد ذهني اثناء فقرة من فقراته لأهميته كله. كتب الاستاذ محمد سليمان الاحمد استهلال ومقدمة للكتاب كأنهما اطيب مقبلات يتناولها القارئ فيفتحا شهيته على بقية الكتاب ، حكى في الاستهلال قصة الكتاب ثم تناول في المقدمة العلاقة بين التشريع والتفسير وحاجة كل منهما الاخر ، ليختم بتمهيد يوضح خطة الكتاب في تناول الموضوع وارتأى ان تكون اوراق الذنون رحمه الله التي بقيت مسودات باحثة عن يد حنونه تخلق منها كتاب ، الفصل الاول من الكتاب كونها تناولت اوليات وبديهيات علم التفسير من خلال التعريف بالتفسير وطرق التفسير، ليجعل من بنات افكاره فصلا ثانيا يتناول فيه اضخم الموضوعات في هذا الباب فيتناول اخر الاكتشافات في علم التفسير مؤشرا بقلمه الجميل عن ابرز ثلاث مشكلات : مشكلة مرجعية التفسير في العراق وكيفية تأسيس تفسير متطور للقانون ، ومشكلة اكتشاف القصد التشريعي ، و مشكلة النقص التشريعي ودور القاضي في حلها. وبعد أُناة بحثية ودراسة طويلة النفس اراها تغني قارئها عن كثير من الكتب في هذا المجال، بل اراها مهمة لكل عاشق من عشاق القانون يريد ان يهيم في معشوقه ويعرفه حق معرفته ، يختتم الاحمد كتابه المشترك مع الذنون بخاتمة اراها ضربة القصيدة كما يعّبر عنها الشعراء ، حينما ينعى دوائر التقاعد وما يواجه المتقاعد فيها من مآس وويلات بأن المتقاعد سيجد امامه شبكة من المفسرين ويعني موظفي التقاعد الذين يفسرون القوانين والتعليمات ويعملون بها قائلا « شبكة من المفسرين الذين يفسرون النصوص في غير صالحه دوماً الدرجة أنه إذا اعترض أو أقام دعوى أو طعن أمام القضاء، فقد يخسر دعواه أو طعنه لمجرد أنه قبض معاشه التقاعدي على اعتبار أن واقعة القبض تعد قرينة على أنه راض بما قدرته له اللجان، أو يصبر شهوراً أو أعواماً ممسكاً على نفسه أن يقبض شيئاً، كي لا تسجل عليه هذه القرينة موقفاً ينافي رغبته في عدم الرضا. إنها والله لبئس القرينة ولبئس التفسير، وللأسف تعاطى القضاء على السير على هذا الطريق غير الإنساني، إذ ماذا سيضر هيئة التقاعد إن سلمت المتقاعد معاشه بالشكل الذي تراه مناسباً، ثم ينتظر الأطراف قرار المحكمة، فإما أن يكون موافقا لرأيها فيكون المتقاعد قد استلم مستحقاته بشكل دوري منتظم، دون أن يرهق الخزينة بالتراكم الاستحقاقي الذي له في ذمتها ، وإما أن يكون القضاء قد حكم للمدعي أو الطاعن، فيتم صرف المتبقي كفروقات للمتقاعد الذي يعتاش على معاشه التقاعدي. إن المفسر هو الذي يجعل القانون أكثر اتساقاً مع الواقع، وهو بيده أن بحسن صورة النصوص أو يسيء إليها، إن هو قصر تفسيره على أضيق الأدوات التي بالإمكان استخدامها في التفسير. والحقيقة أن التطور في التفسير يلقي بظلاله على تطور المنظومة القانونية بأسرها، حتى لو كان القانون قديماً، فهذا قانون نابليون القانون المدني الفرنسي الذي صدر عام 18، وما زال نافذا، عدلت بعض مواده، لكن القضاء هو من جعل هذا القانون متطوراً» ولعمري ان القائمة تطول لو استعرضنا مع فقيهنا الاحمد اعمال شبكة المفسرين في المحاكم ودوائر الاحوال المدنية والزراعة والبلدية ومراكز الشرطة والصحة وووو من الدوائر الاخرى التي نمارس فيها عمل المحاماة ونجد منها العجب العجاب ونمتلك ذخيرة من المفسرين الذين يفسرون القانون في غير صالح المواطن دوما بلا شك ! شكرا لك استاذنا محمد سليمان الاحمد على جعلك مسودات الذنون كتابا مهما في موضوع مهم جدا الا وهو تفسير وابانة القانون وشكرا لك على فصولك التي وضعتها في الكتاب وكانت النتيجة والزبدة التي تهب القارئ شعلة النار التي يضيئ بها الطريق.