التحدّيات والإلتزامات القانونية
تعزيز تكافؤ الفرص بين الجنسين في قطاع الموانئ
أسماء نجم عبد اللـه
يُعد قطاع الموانئ من القطاعات الاستراتيجية في العراق، حيث يلعب دوراً محورياً في التجارة الدولية والنقل البحري. ورغم الأهمية الكبيرة لهذا القطاع، فإن مشاركة المرأة فيه لا تزال محدودة. ورغم وجود إطار قانوني وطني ودولي يدعم تكافؤ الفرص بين الجنسين، إلا أن تطبيق هذه التشريعات يواجه العديد من التحديات. ويتطلب تحقيق المساواة في هذا القطاع التزاماً جاداً بتنفيذ القوانين النافذة، وتطوير سياسات عملية تعزز من مشاركة المرأة في مختلف المستويات الإدارية والفنية داخل الموانئ العراقية.
من بين الأدوات القانونية التي تعزز تكافؤ الفرص بين الجنسين في العراق، يأتي الدستور العراقي لعام 2005 الذي ينص في المادة (14) على أن جميع العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس، بينما تضمن المادة (16) تكافؤ الفرص لجميع العراقيين. كما يعزز قانون العمل العراقي رقم (37) لسنة 2015 مبدأ المساواة في فرص العمل، حيث يحظر التمييز في التوظيف ويوفر بيئة عمل عادلة لجميع المواطنين، ويؤكد على ضرورة المساواة في الفرص والمعاملة في الاستخدام. بالإضافة إلى ذلك، قانون الموانئ العراقي رقم (21) لسنة 1995 لا يتضمن أي نصوص تمنع النساء من العمل في الموانئ أو تقلد مناصب قيادية فيها، مما يؤكد أن أي تمييز ضد النساء في هذا القطاع يتعارض مع المبادئ القانونية التي يكفلها الدستور.
اتخاذ تدابير
علاوة على ذلك، فإن انضمام العراق إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) في عام 1986 يلتزم الدولة باتخاذ تدابير لضمان عدم التمييز ضد المرأة في التوظيف، بما في ذلك في قطاع النقل البحري والموانئ. بالإضافة إلى ذلك، تلتزم العراق باتفاقيات منظمة العمل الدولية (ILO)، مثل الاتفاقية رقم (111) التي تحظر التمييز القائم على الجنس في التوظيف، والاتفاقية رقم (100) بشأن المساواة في الأجور التي تلزم الدول بتوفير أجور متساوية للنساء عند أداء نفس العمل.
ورغم هذا الإطار القانوني القوي، فإن تطبيق هذه القوانين يواجه العديد من التحديات. من أبرز هذه التحديات هي الأعراف الاجتماعية والتقاليد التي تضع قيوداً على مشاركة النساء في قطاع الموانئ، حيث تُعتبر بيئة العمل في الموانئ غير ملائمة للنساء في نظر البعض. كما أن ضعف آليات التنفيذ والمراقبة القانونية يؤدي إلى استمرار بعض الممارسات التمييزية ضد النساء. إلى جانب ذلك، يعاني العديد من العاملين في القطاع من نقص الوعي الكافي بالقوانين التي تكفل حقوق المرأة في مكان العمل. علاوة على ذلك، يفتقر القطاع إلى السياسات الحكومية الداعمة التي تساهم في تعزيز مشاركة النساء، مثل تقديم حوافز للشركات التي تلتزم بمبدأ المساواة في فرص العمل.
إن أحد السبل الرئيسية لتعزيز مشاركة النساء في قطاع الموانئ هو توفير فرص تدريب مهني وتعليمي في هذا المجال، خاصة في المجالات التقنية والإدارية التي تُعتبر تقليدياً محجوزة للرجال. إن دعم الجامعات والمعاهد العراقية لتطوير برامج دراسات عُليا متخصصة في النقل البحري وإدارة الموانئ سيساهم في تمكين النساء من شغل المناصب القيادية في هذا القطاع الحيوي. كما أنه من الضروري أن يتم تطوير برامج تحفيزية للمؤسسات التي تلتزم بتوظيف النساء، مثل تقديم تسهيلات ضريبية أو أولوية في العقود الحكومية.
أيضاً، يمكن للتكنولوجيا والابتكار أن يساهما في تغيير واقع المشاركة النسائية في الموانئ، حيث أن استخدام الأنظمة الذكية والروبوتات في هذا القطاع يوفر بيئة عمل أكثر كفاءة وداعمة للنساء. وبتشجيع المزيد من النساء على التفاعل مع هذه التقنيات الحديثة، سيتم تمهيد الطريق أمامهن للمشاركة الفعالة في الأنشطة المهنية والقيادية في الموانئ.
شركات خاصة
إن التعاون بين القطاعين العام والخاص يعد أيضاً من العوامل الهامة في تعزيز التكافؤ بين الجنسين. من خلال الشراكات بين الحكومة والشركات الخاصة في قطاع الموانئ، يمكن تطبيق سياسات شاملة تعزز من مشاركة النساء في هذا القطاع. على سبيل المثال، يمكن تخصيص وظائف أو برامج تدريبية خاصة بالنساء لدعم مشاركتهن في هذا القطاع المهم.
وفيما يخص الوعي المجتمعي، لا بد من نشر حملات توعية تسهم في تغيير الصورة النمطية عن المرأة العاملة في الموانئ. يمكن لهذه الحملات أن تساعد في تقبل المجتمع لفكرة عمل المرأة في بيئة تُعتبر تقليدياً من اختصاص الرجال.
في الختام، ورغم وجود إطار قانوني قوي يدعم حقوق المرأة في العراق، فإن تحـــــــــــــقيق المساواة الفعلية يتطلب العمل المستمر على تغيير الأعراف الاجتماعية، تعزيز آليات الرقابة، وتطوير السياسات التي تدعم مشاركة النساء في قطاع الموانئ.
إن تمكين المرأة في هذا القطاع ليس فقط مســــــــــــــاهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية، بل أيضًا جزء لا يتجزأ من تحسين الكفاءة والاستدامة في قطاع الموانئ العراقي.