الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عبث‭ ‬الهويات‭ ‬الفرعية

بواسطة azzaman

عبث‭ ‬الهويات‭ ‬الفرعية

نزار محمود

 

عندما‭ ‬تهتز‭ ‬هيبة‭ ‬الدولة‭ ‬لأسباب‭ ‬تتقدمها‭: ‬لا‭ ‬وطنية‭ ‬ساستها‭ ‬ولا‭ ‬عدالة‭ ‬قضاتها‭ ‬ولا‭ ‬حرص‭ ‬امنها‭ ‬ولا‭ ‬وعي‭ ‬تعليمها‭ ‬ولا‭ ‬متانة‭ ‬اقتصادها‭ ‬ولا‭ ‬اصالة‭ ‬ثقافتها،‭ ‬عندها‭ ‬يهرول‭ ‬“المواطنون”‭ ‬عائدين‭ ‬الى‭ ‬مرجعياتهم‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬الطائفية‭ ‬أو‭ ‬العرقية‭ ‬أو‭ ‬المناطقية،‭ ‬يحتمون‭ ‬بها‭ ‬ويتذرعون‭ ‬اليها‭.‬

هذه‭ ‬الحال‭ ‬تعكس‭ ‬حال‭ ‬طغيان‭ ‬الهويات‭ ‬الفرعية‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬الجامعة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تكسب‭ ‬أحداً‭ ‬فخراً،‭ ‬أو‭ ‬تشكل‭ ‬له‭ ‬سنداً‭.‬

ومما‭ ‬يزيد‭ ‬الطين‭ ‬بلة‭ ‬هو‭ ‬انتشار‭ ‬الغوغائية‭ ‬والفساد‭ ‬وتراجع‭ ‬الوعي‭ ‬والحس‭ ‬الوطني،‭ ‬وانتشار‭ ‬الجهل‭ ‬والخرافة‭ ‬رغم‭ ‬كثرة‭ ‬الشهادات‭ ‬المعلقة‭ ‬على‭ ‬الجدران‭ ‬وتزايد‭ ‬دور‭ ‬العبادة‭.‬

إن‭ ‬من‭ ‬يتجول‭ ‬متخفياً‭ ‬وسابحاً‭ ‬بين‭ ‬أطياف‭ ‬من‭ ‬ينتمي‭ ‬الى‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬يصيبه‭ ‬العجب‭ ‬العجاب‭.‬

دواوين‭ ‬ومضايف‭ ‬متنوعة‭ ‬وكثيرة،‭ ‬وشيوخ‭ ‬وسادة‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬لهم‭ ‬المكان،‭ ‬ونجمات‭ ‬وأوسمة‭ ‬على‭ ‬أكتاف‭ ‬ضباط‭ ‬وعمداء‭ ‬وألوية‭ ‬وفرقاء،‭ ‬ونحن‭ ‬لم‭ ‬نزل‭ ‬نخاف‭ ‬عودة‭ ‬الارهاب‭ ‬وانسحاب‭ ‬الحلفاء‭ ‬والامريكان‭.‬

الجميع‭ ‬يتحدثون‭ ‬بالسياسة‭ ‬ويتسابقون‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭. ‬الجميع‭ ‬يلعن‭ ‬العمالة‭ ‬والفساد‭ ‬والسرقات‭. ‬مئات‭ ‬وآلاف‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬وأحكام‭ ‬القصاص‭ ‬من‭ ‬الحرامية‭ ‬والمرتشين‭ ‬والسراق‭ ‬تصدرها‭ ‬هيئات‭ ‬النزاهة‭ ‬والمساءلة‭ ‬والعدالة،‭ ‬فلا‭ ‬سرقة‭ ‬توقفت‭ ‬ولا‭ ‬فساد‭ ‬زال‭.‬

ما‭ ‬نزال،‭ ‬ومنذ‭ ‬عشرين‭ ‬عاماً،‭ ‬ورغم‭ ‬ما‭ ‬صرف‭ ‬من‭ ‬عشرات‭ ‬المليارات‭ ‬على‭ ‬الكهرباء،‭ ‬نعيش‭ ‬الظلمة‭ ‬وجحيم‭ ‬الصيف‭ ‬وزمهرير‭ ‬الشتاء‭. ‬اقتصادنا‭ ‬مدمر‭ ‬ومستقبلنا‭ ‬مشوه،‭ ‬فلا‭ ‬عمل‭ ‬لمن‭ ‬يدرس،‭ ‬ولا‭ ‬كرامة‭ ‬لملايين‭ ‬المعوزين‭ ‬من‭ ‬الناس‭.‬

لم‭ ‬نعد‭ ‬نحمل‭ ‬غيرة‭ ‬وطنية،‭ ‬أو‭ ‬استعداداً‭ ‬لتضحية،‭ ‬أو‭ ‬رأفة‭ ‬بمن‭ ‬لا‭ ‬عمل‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬دخل،‭ ‬ولا‭ ‬استعداداً‭ ‬لترك‭ ‬المكان‭ ‬المناسب‭ ‬للشخص‭ ‬المناسب،‭ ‬فنستمر‭ ‬في‭ ‬غوص‭ ‬وانحدار‭ ‬وهدر‭ ‬للمال‭ ‬والزمن‭.‬

لقد‭ ‬تبعثر‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬عصابات‭ ‬اجتماعية‭ ‬تحمل‭ ‬يافطات‭ ‬هويات‭ ‬فرعية،‭ ‬تكسب‭ ‬منها‭ ‬وتبتز‭ ‬بها،‭ ‬وتساهم‭ ‬في‭ ‬تقطيع‭ ‬أوصال‭ ‬الوطن‭ ‬وتدوس‭ ‬على‭ ‬هويته‭ ‬الجامعة‭. ‬والأكثر‭ ‬ألماً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬المافيات‭ ‬السياسية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬راحت‭ ‬تحصل‭ ‬رؤوسها‭ ‬على‭ ‬غنائم‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لتحلم‭ ‬بها،‭ ‬غير‭ ‬آبهة‭ ‬بتداعياتها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يدفعها‭ ‬الى‭ ‬ادامة‭ ‬الاعتزاز‭ ‬بهويات‭ ‬مكوناتها‭ ‬الفرعية‭.‬

قد‭ ‬يتساءل‭ ‬أحد‭ ‬ما‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يستوجب‭ ‬تقديس‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬طالما‭ ‬انها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تستطيع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬نفسها؟‭ ‬أجيب‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭:‬

ان‭ ‬الاحتكام‭ ‬الى‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬الجامعة‭ ‬يقتل‭ ‬فينا‭ ‬شبح‭ ‬الخلاف‭ ‬والتناحر،‭ ‬ويدفعنا‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬واحد،‭ ‬ويعزز‭ ‬فينا‭ ‬التعاون‭ ‬والتعاضد،‭ ‬ويزين‭ ‬في‭ ‬نفوسنا‭ ‬الفخر‭ ‬للانتماء‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭ ‬في‭ ‬ماضيه‭ ‬وحاضره‭ ‬ومستقبله‭.‬

دهوك،‭ ‬25‭.‬01‭.‬2025


مشاهدات 110
الكاتب نزار محمود
أضيف 2025/02/01 - 12:05 AM
آخر تحديث 2025/02/06 - 9:54 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 254 الشهر 2971 الكلي 10398342
الوقت الآن
الخميس 2025/2/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير