الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التسويف المبغوض والفعل الطيِّب

بواسطة azzaman

التسويف المبغوض والفعل الطيِّب

فؤاد مطر

 

نودِّع العام 2024 الذي تراكمت في معظم أيامه الإعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة وعلى الشعب اللبناني الذي شمل العدوان عليه مدناً وبلدات من أقصى جنوبه المحادد لإسرائيل إلى أعماق سهوله شرقاً وغرباً ووسطاً، ثم على مناطق في سوريا عكرت الإعتداءات صفو حال شعبه على خلفية تغيير لبلاد الشام تتواصل الصياغة الجديدة له. لعلنا مع بداية إدارة أميركية جديدة تصحح الكم الهائل من جانب إدارتها المتوارية على صعيد الأخذ بالباطل ضد الحق الذي يعلو ولا يعلى عليه ، فلم تتخذ الموقف الذي يحصن الإنسانية من إعتداءات إسرائيل وإلى درجة أن كفة ميزان الفعل الذي إقترفته حكومة نتنياهو إستمرت الراجحة، كما أنها في السياق نفسه تناست قرارات ووعود وتصريحات أدلى بها رؤساء سابقون في شأن أهمية أن تكون هنالك دولة فلسطينية، وهو مطلب بات بمثابة قرار إتخذته القمم العربية من قمة أنشاص التي إستضافها الملك فاروق (يونيو/ حزيران 1946 وكانت بدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين.

قرارات القمة

ومن بين قرارات تلك القمة «إن فلسطين قُطر عربي لا يمكن أن ينفصل عن الأقطار العربية الأُخرى وأن ما يصيب عرب فلسطين يصيب شعور الأمة العربية كلها.. وإن الصهيونية خطر داهم ليس لفلسطين وحدها بل للبلاد العربية والشعوب الإسلامية جميعاً وإن أقل ما نرتضيه في سبيل حماية عروبة فلسطين هو إيقاف الهجرة الصهيونية إيقافاً تاماً والعمل على تحقيق إستقلال فلسطين وتشكيل حكومة تضمن فيها حقوق جميع سكانها الشرعيين بدون تفريق بين عنصر ومذهب...».

وعند التأمل في مضامين سائر قرارات القمم العربية والإسلامية وأحدثها قمم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي إستضافتْها المملكة العربية السعودية وكذلك التصريحات الموجهة في الدرجة الأولى إلى الغرب الأميركي – الأوروبي حاضن إسرائيل مسانداً إلى حدود إيذاء العرب، يرى أن منطلقات القرارات والمواقف ذات مرجعية ثابتة هي ما بدأه السلَف وتتمسك به أجيال الخلف حيث أن صيغة الدولتيْن حلاً للمعضلة التي بلغت مرحلة الشيخوخة، كانت الحل الواقعي الذي كان مأمولاً. بل من الجائز القول إن الصيغة هي مسح الغبار المتراكم على سمعة التعامل الغربي غير الواقعي مع القضية التي هي الأطول عمراً بين القضايا المعلَّق التفاهم على حلول منصفة لها. وعندما تتمسك دول الأمتيْن وقياداتها جيلاً بعد جيل بالصيغة فإنها بذلك تبدي حُسن النية وبما يغني العهود المتتالية في دول الغرب الأميركي – الأوروبي عن إجتراح الحل الذي يُبقي إسرائيلها واحدة من دول المنطقة لا تمتهن حكوماتها عموماً العدوان تلو العدوان. ولعله الطلب العربي – الإسلامي الوحيد الذي تأمل الأمتان من الغرب الصديق التجاوب معه فلا يستمر هذا التسويف المبغوض. ولكن الذي يحدُث منذ الإجماع على صيغة الدولتيْن حلاً وإن تنوعَ التعبير عن ذلك، أن دول الغرب دائمة الطلب والتطلب من العرب ولا أخذاً في الإعتبار ربما يأملونه من صديقهم الأميركي والبريطاني والفرنسي وسائر شعوب القارتيْن وهو: فلتصبح الدولة الفلسطينية حقيقة، وبعد ذلك تصلي أجيال الأمتين في الحرم الثالث المسجد الأقصى وتُطوى صفحات العداوة والكراهية ولا يعود العدوان والإبادة والتدمير من بين الكوابيس على مدار ساعات الليل والنهار.

في المقابل يغمرنا كعرب الإعتزاز بالنفس ونحن نواكب الفعل الطيِّب المتمثل بخطوات تجاه الجميلة لغة الضاد التي يومها السنوي 18 ديسمبر/ كانون الأول من العام والدور الذي يؤديه «مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية» الذي إختتم مؤتمره الدولي السنوي الثالث في الرياض الأسبوع الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول 2024 والذي كان تحت عنوان «حوسبة اللغة العربية وإثراء البيانات اللغوية» وبمشاركة 40 متحدثاً يمثلون 22 دولة جلهم من ذوي الاهتمام والتخصص في اللغة العربية واللغويات الحاسوبية وعلوم الحاسب. وأهمية هذا المجمع هي في راعيه الذي يضع اللغة العربية تأخذ مكانها في المجالات التي بلغ الذكاء الإصطناعي مداه. وهنا تجدر الإشارة بشكل خاص إلى خطوات نوعية في مجال الحوسبة اللغوية وكيف بات مؤشر «بلسم» لتقييم تقنيات الذكاء الإصطناعي للغة العربية إلى جانب منصة «فلك» التي تجمع إحدى عشرة مدونة لغوية.

مضامين الرسالة

وهذه إنجازات وخطوات تجيب على التساؤل حول رسالة «مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية» ومن مضامين هذه الرسالة إسداء خدمة لهذه اللغة والحفاظ على سلامتها نطقاً وكتابة وخصوصاً بعدما نشأت أجيال عربية من الجنسين لا يرون في الضاد ما كان يراه السلف الصالح جيل عدم المس بما يعطي الرونق والبهاء للضاد، ذلك أن الهمزة ضرورية والضمة والفتحة والكسرة كذلك وأن تهجير هذه المجمَّلات عن الكلمة بغرض التخفيف من الأثقال هو بمثابة النيل من مسحة جمال مكتملة للضاد التي لطالما تتباهى بأنها لفظاً وتشكيلاً تبعث البهجة في النفوس، وخصوصاً عندما تصدح حناجر قارئي المصحف عند المغرب ولحظة تباشير الفجر، وهي بهجة كانت لن تحدث إذا جاءت كلمات الآيات خالية من ضماتها وكسراتها وفتحاتها.

هنا يأتي أيضاً إنجاز بالغ الأهمية بالنسبة إلى أجيال عربية حديثة شاءت الظروف أن يغلب النطق الأجنبي لبعض الكلمات لدى هؤلاء وقد باتوا لا من يرشد ويهدي إلى حُسن نطق الكلمات. ويتمثل هذا الإنجاز بالقناة التعليمية التي أطلقها «مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية» وتستهدف في الدرجة الأولى أبناء عرب هاجروا لبضع سنوات أو طالت هجرتهم أو حتى أبناء عرب عادوا إلى أوطانهم مع ذويهم. وهؤلاء في معظمهم، ولا يلامون على ذلك، باتوا ينطقون اللغة العربية بلكنات مختلفة وأحياناً بمزيج من لغتهم الأم ولغات إكتسبوها في ديار إغترابهم. ولقد عشنا أي معاناة عاشها أبناء وبنات كانوا جزءاً من إغتراب أهاليهم وباتوا في معظم العواصم الأميركية والأوروبية ينطقون العربية بلكنة تأخذ من مهابة هذه اللغة. وها هم في ضوء هذا السعي المبذول والمتطور من جانب قناة «العربية للعالم – للأطفال» التي أطلقها «مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية» في الأسبوع الأخير من بداية العام 2024 للأطفال على طريق التصحيح المتدرج الذي يكتسب إلى جانب أهمية النطق بالذات شعور هذا الفتى العربي أو تلك الفتاة العربية بأن اللغة وفق الأصول هي التي تبلور إعتزازهم بالضاد الجميلة.

ولهذه الإطلالة على الضاد في ضوء هذه الرعاية من جانب خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز بقية كلام. وكل عام والأمة في حال أفضل وفلسطين الدولة في الخاطر وفي الوجدان.


مشاهدات 205
الكاتب فؤاد مطر
أضيف 2024/12/28 - 12:46 AM
آخر تحديث 2025/01/22 - 8:35 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 29 الشهر 10468 الكلي 10290433
الوقت الآن
الخميس 2025/1/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير