الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حق الرد.. مقال الساعدي بشأن أرض جاهزة للفاشيّين

بواسطة azzaman

حق الرد.. مقال الساعدي بشأن أرض جاهزة للفاشيّين

فارس حرّام

نشرت جريدة الزمان في عددها 7744 الصادر يوم السبت 25/ 11/ 2023 مقالاً للدكتورة لقاء موسى الساعدي بعنوان «قراءة في كتاب أرض جاهزة للفاشيّين - العراق بعد 2003 - التباس السياسة وضياع الهدف»، ناقشت فيه بعض القضايا التي أثارها الكتاب، بعد عرض مكثف لأبرز ما ورد فيه. وفي الوقت الذي يسعدني فيه أن أشيد بما اشتمل عليه المقال من تناول جاد ومسؤول لأفكار الكتاب، إلا أنني أورد في أدناه بعض المناقشة له، سعياً بتعميق هذا الحوار:

1- لخصّت الدكتورة الساعدي مناقشتها الكتابَ بنقاط ابتدأتها بالقول إنها رأت فكرة «المحاكمة الثقافية» محصورة في شخص الدكتاتور، وترى أنّ ذلك يحدّ من جدوى الحوار الثقافي ذلك أننا «». لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن الكتاب لم يحصر فكرة المحاكمة الثقافية في شخص الدكتاتور، وإنما في شخوص مجمل أركان النظام المستبد بمجموعهم، ولكنّه ربما ركّز على صدّام وهتلر بوصف كلٍّ منهما رأس النظام، وقد ورد في الكتاب إشارات كثيرة جداً تستبعد ان تكون المحاكمة محصورة ضدّ القائد الأعلى وحده، وإنما تتحدث عن «قادة الاستبداد» بشكل عام. أشير بهذا الصدد إلى واحدة من أكثر عبارات الكتاب وضوحاً في هذا المعنى إذ تقول «إنّ حزب البعث، وأيّ فكر مستبد، لن يمكن اجتثاثه، وإنّما يمكن فقط تفنيده، تفنيد مقولاته عبر مواجهة مباشرة، مثل إقامة المحاكم الثقافيّة لقادته، فإنْ لم تكن ممكنة للقدامى، فهي ممكنة للجدد، لا نعني البعثيين فقط، وإنّما كلّ من يشبههم» (ص96).

محاكم ثقافية

مسألة أخرى تناولتها الدكتورة الساعدي في سياق فكرة المحاكمة الثقافية والحوار الذي تشتمل عليه مع المستبدين، إذ تقول « نحتاج إلى الحوار الثقافي والمحاكم الثقافية لأفكار الدكتاتور وليس الدكتاتور نفسه، ومن الأجدى أن يكون هذا الحوار مستمراً ومستداماً في كلّ البنى الاجتماعية والمؤسسات المسؤولة عن ذلك (جامعات، مدارس، اعلام، قضاء وتشريعات..)» ويبدو واضحاً أنّ الدكتورة الساعدي تلمّح إلى نوع من المحاكمة «التاريخية» لفكر النظام المستبد بعد زواله، والحقّ أنّ الكتاب يبتعد بشكل مقصود عن هذا النوع من المحاكمة، القائم على أساس الفكر وحده فقط من دون حضور المستبد جسدياً إلى قاعة المحاكمة. فالكتاب ويصرّ على أنه يقصد محاكمة المستبدين أنفسهم في حوار مباشر معهم، وقد جادلتُ فيه أنّ أيّ محاكمة لفكر الاستبداد في غير حضور قادته بأنفسهم ستكون «محاكمة غيابية»، ومن ثمّ لن نحصل فيها على إجابة فورية من المستبدين الذي نحاكمهم على ما فعلوه وما روّجوا له من أفكار.2- تُشكل الدكتورة لقاء الساعدي على قول الكتاب أنّ فكرة «المحاكمة الثقافية» تنطلق من مثاليّة فلسفية، وترى أنها ما دامت تنطلق من هذه المثالية فليس هناك من حاجة بنا إليها مع وجود البديل الأفضل، تعني به – مرة أخرى – محاكمة أفكار المستبدين بعد زوالهم، ومن ثم لسنا بحاجة إلى محاكمتهم ثقافياً هم شخصياً.

وللرد على هذه النقطة أودّ أن أبين أنّ توصيف فكرة «المحاكمة الثقافية» بالمثالية يأتي من باب التصنيف الفلسفي، ولذلك أقرنتُ كلمة «مثالية» في الكتاب بكلمة «فلسفية»، ثمّ أتبعتُ العبارة بتوضيح فلسفيّ يقول إن هذه المثالية تنطلق من مفهوم «الخير العام» المتمثل بالخيار الديمقراطيّ القائم على الحريّات وحقوق الإنسان (مهما كانت سيّئاته) بمواجهة قيم الاستبداد، وتضع خطواتها بناءً على هذه الغائيّة». بهذا المعنى تكون المثالية هنا بمعنى الغاية العليا، ولأضرب مثالاً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهو ينطلق أيضاً من مثالية فلسفية تربط الخير العام بحماية حقوق البشر في كل زمان ومكان، وهذا لا يعني بأيّ حال من الأحوال استحالة تطبيقه.

هنالك مثال آخر، ففكرة الشيوعية عند كارل ماركس، مثلاً، هي فكرة تنطلق من مثالية فلسفية ترى الخير العام في تذويب الفوارق الطبقية في المجتمعات واستئصال الجشع الرأسمالي منها، على الرغم من أنّ هذه الفكرة «المثالية» تنطلق من تحليل مادي للاقتصاد والتاريخ والسياسة. فالقول بأنّ فكرة ما تنطلق من مثالية فلسفية لا يُضعف قدرها ولا يعني استحالة تطبيقها، أو أنها أقل الحلول إمكانية.

3-  ينتقد المقال صلة التشابه التي عقدها الكتاب بين العراق وألمانيا، وتذهب الدكتورة الساعدي أنّ هذه المقارنة لا تقوم على أسس كافية، مؤكدة الفارق الكبير بين وضع ألمانيا بعد 1945 والعراق بعد 2003، فتشير إلى أنّ ألمانيا جرى احتضانها من الغرب وتقديم دعم اقتصادي كبير لها (خطة مارشال) لتستعيد عافيتها الاقتصادية، بينما حوصر العراق بالديون والضغوط من الدول التي تحيطه. وهنا لابدّ – في سياق الرد – أن أشير إلى ما فات الدكتورة الساعدي من أمر مهم، هو أن الكتاب ليس مخصصاً للقول إن العراق بعد 2003 يشبه – بصورة عامة - ألمانيا بعد 1945، ويستحيل لعاقل منصف أن يقول هذا الرأي، وإنما كان الكتاب مخصصاً للقول إن هنالك تشابهاً – بشكل خاص - في معالجة إرث الاستبداد بين ألمانيا بعد 1945 والعراق بعد 2003، هذا هو الأمر الذي يتشابه فيه البلدان، وأما ما سواه فالكتاب غير معنيّ به، وبالذات الفارق الاقتصادي الهائل بين البلدين، وهو ما اتفق فيه مع الدكتورة الكريمة.

4-  في سياق عقد المقارنة أيضاً بين العراق وألمانيا، يذهب المقال إلى أنّ كتاب «أرض جاهزة للفاشيّين» يتحدث عن ألمانيا بوصفها «كتلة جامدة لا تخضع لمتغيرات جغرافية وسياسية وتاريخية تجعل قياسها بمقياس واحد غير ممكن» بحسب قول الدكتورة الساعدي، ثم إنّها ذهبت إلى ربط عودة الخطاب الفاشيّ هناك بأسبـــــــــــاب جغرافية (الجزء الشرقي من ألمانيا) وأسبـــــــــاب اقتصادية (اقتصاد سيء وسوء توزيع للثروة).

خارج الاختصاص

لكنّ الكتاب لم يكن معنيـاً بتحليل أسباب عودة الفاشية في ألمانيا، فهذا خارج اختصاصه، وإنما كان يركز على سبب مهم منها، متمثلاً في أخطاء معالجة إرث الاستبداد. ومن نافل القول أنّ هنالك أسباباً أخرى، تحدثت الدكتورة الساعدي عن أحدها وهو السبب الاقتصادي، مبرزة إياه إلى أنه هو السبب الرئيس، منتقدة ما رأته تهميشاً له في الكتاب، والحق لم يكن الكتاب يهمّش الجانب الاقتصادي أبداً، بل ذكره في مواضع كثيرة، لكنّ مناقشة هذا السبب والتوسّع فيه ليس – مرة أخرى – من اختصاص الكتاب، وإنما التركيز على أهمية فضاء القيم الفاشية وكيفية معالجة إرثها بعد سقوط النظام، وقد بينت هذا الأمر منذ مقدمـــــــــة الكتاب.ختاماً أودّ القول إنّ هذه الردود لا تمثل تقليلاً من شأن المقال المتــــــميز الذي كتبته الدكتورة لقـــــــــاء الساعــــــدي، وإنما كان مقالها يفتح نوافذ أخرى في قراءة الكتاب واستقباله، تغنـــــــــــيه وتوسع حلقته، وربما تجعل من الممكن إضافتها له في طبعاته القادمة.


مشاهدات 981
الكاتب فارس حرّام
أضيف 2023/12/30 - 12:53 AM
آخر تحديث 2024/12/04 - 1:30 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 412 الشهر 1712 الكلي 10057807
الوقت الآن
الأربعاء 2024/12/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير