الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الفدرالية ليست عصا سحرية

بواسطة azzaman

الفدرالية ليست عصا سحرية

خليل ابراهيم العبيدي

 

لا زال الكثير من المهتمين بالشأن العام ومنهم  الدكتور ناجح الميزان حيث وجدته يدعو بحرقة وبشدة إلى اعلان المحافظات الغربية كل على حدة إلى أقليم  ، وكذا يدعو القاضي وائل عبد اللطيف إلى قيام اقليم البصرة ، وقد يكون لكل من الرجلين وغيرهم ممن نادى بها سابقا أسبابه الخاصة ، أو مبرراته العامة ، ولكن لسبب عام واحد ، وهو اهم من أسباب كل الداعين للاقلمة ، نود أن نوضح للجميع أن الفدرالية وفقا للقانون الدولي العام ، هي توجه عدة دول على إقامة اتحاد دائم فيما بينها تمثله حكومة مركزية تملك اختصاصات عليا ملزمة مباشرة ومتنوعة قبل حكومات أعضاء الاتحاد ورعايا هذه الحكومات (انظر د. حسن الجلبي ، القانون الدولي العام  ص227 ) والمعروف أن الدول التي تدخل مثل هذا الاتحاد تتنازل عن استقلالها الخارجي والسيادة الداخلية لصالح الاتحاد ،  وتكون تحت سلطة القانون الدستوري لا القانون الدولي ، الذي سيحكم دولة الاتحاد باعتبارها جزءا منه . فهل الفدرالية التي توالت المطالبة بها منذ العام 2003 تقع تحت معطيات هذا المفهوم ، أنا إفهم الدافع وراء المطالبة بالفدرالية ، هو فشل الحكومات العراقية المتعاقبة في إظهار  الدولة بمظهر الدولة بالغة سن الرشد ، أو فشل مجالس المحافظات من تحقيق المتطلبات ، ومن وجهة نظر سيسيولوجية بحتة نقول إن الحكومات العراقية كما يقول الدكتور علي الوردي ( في كتابه دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ص 389 ) مصابة بعيوب وأدواء شتى ، فهي قد انبثقت من المجتمع الذي تعيش فيه واستمدت طبيعتها منه ، فإذا كان المجتمع مصابا بالعيوب والأدواء فهي لابد أن تكون مثله مصابة بها . أي أن الحكومات نتاج البيئة الاجتماعية ، فالعيب فينا جميعا ، سواءا كنا أعضاءا في الحكومات أو أطرافا في مجالس المحافظات ، أو موظفين حكوميين أو أربابا لاعمال ، وما الفدرالية في العالم نتاج الفشل إنما نتاج النجاح الفردي للكيانات ونزوع المجتمعات المتقدمة نحو الإنتاج الجماعي بوحدة الصغير مع الصغير ليشكلا كيانا كبيرا يصمد أمام علاقات دولية تتصف بالحركة الدائبة والأنانية المطلقة والتوتر المستمر.

عود سحرية

فهل الفدرالية في العراق جمع ام تقسيم ، فهل الفدرالية في العراق تلك العود السحرية التي ستحول المحافظ الفاشل إلى رئيس إقليم ناجح ، وهل صلاح الدين يا دعاة الأقاليم أو بغداد أو واسط أو نينوى التي لم ينجح بها أي محافظ فاسد أو مستقيم  ، ستكون كل هذه المحافظات أقاليم ناجحة بمجرد صدور مرسوم جمهوري بها ، المسألة ليست بالمحافظة أو الإقليم المسألة في الكفاءة والإنسان السليم ، المسألة في إعداد الكادر الفني المستقيم ، المسألة في التحليل والتحريم ، نحن شعب يسب الموظف فيه الحكومة وهو جزء منها ، وكما يؤكد الوردي المواطن يشتم الحكومة إذا ما أثارت الريح التراب في وجهه ، المواطن فينا لا ينام الليل وهو يحمل هموم المراجعة لدوائر الدولة غدا ، فهو يتهيأ حتى لإعداد صيغة السلام على الموظف الهمام ، لكي لا يعيد معاملته إلى قادم الأيام ،

أن المطالبة بتحول المحافظات منفردة إلى إقاليم تعد من وجهة نظر الإداري المحاييد لهذا مطالبة غير مجزية ، لأنها ستزيد من فرص تنازع السلطات بين المركز والاقليم ، وتجربة إقليم كردستان مثلا صارخا أمام تنازع السلطات حول الامن والأرض والشؤون المالية بين حكومة الإقليم وحكومة بغداد الاتحادية . والخطأ دستوري بحت ، لسنا بمعرض البحث فيه  ، كما وان المطالبة بالاقليم يدعونا للبحث في مشكلة توزيع الطبيعة للثروات بين المحافظات فليس ثمة تساوي أو على الأقل تقارب في امتلاك تلك  الثروات .

أن فشل مجالس المحافظات كان فشلا إداريا ، تراجعت بموجبه الخدمات وفرص التطور جراء تطاول الاعضاء على صلاحياتهم ودخولهم معترك النفعية قبل معترك إنقاذ محافظاتهم من واقعها المزري ، كما وان تلك المجالس تحولت إلى مجالس مناكفات سياسية عكست الانقسامات الحزبية ، وكانت مجالس انس للمعاكسات العشائرية عكست التناقضات الاجتماعية ،  وطالت أياديهم العقارات والأراضي الأميرية ، فكانت تجربة تعرضت للنقد شعبيا وإداريا وسياسيا ، وان هذه التجربة ستتكرر دون شك في الحكومات الإقليمية لأن الأسباب ستكون كما هي لم تتغير لا في الأساليب ولا العقلية ، والمتغيير فقط هو تغيير في التسمية .

مصالح حكومية

سادتي أن الفدرالية في العالم المتمدن هي تجميع لمنقسم وهي توحيد منظم لأساليب إدارية مختلفة تنتج تحولا هائلا في بنية المصالح الحكومية ، فالبلديات والكانتونات في العالم وهي أسس الفدرالية عبارة عن إدارات منتخبة محليا تساعدها كوادر مهنية متبرعة من المتقاعدين أصحاب الخبرة في كل الميادين ، تعمل على توحيد الأنظمة في تلك الأقاليم لتقدم الخدمة من شباك واحد يعمل بخط مستقيم على تقديم الخدمات البلدية وخدمات المرور والصحة والتربية والتعليم والاشراف على اعمال الاتصالات وتنظيم شؤون الرعايا وأمور الجوازات ، نعم عليك أن تراجع أو تتصل برئاسة البلدية لتحصل على الخدمة المجانية ، لقاء ضرائب عالية تتناسب وحجم المسؤولية . والعامل الاول في كل تلك التسهيلات قوة الدولة وسطوة القانون زائدا احترام المواطن لدولته وشعوره بالانتماء واحترام الموظف لدوره في العطاء ،،، أننا لا نطالب بأن نكون بمستوى ما تقدمه تلك البلديات ، ولكن نطالب بأن نبدأ بتغيير العقليات من موظف متنمر جراء المراجعات إلى موظف يحترم القانون والقرارات ، والى موظف يتجرد عن مكامن الحزبية والمناطقية والعشائرية.

 وهذا يتحقق بإعداد الكوادر الإدارية قبل التفكير بالاقليمية ، فالتحول إلى الأقاليم في الوقت الحاضر وبذات الكادر القديم ، هو عمل غير مجد ولا يعد طريقا مستقيما ، لا يراهن عليه إلا المحبطين. أننا بحاجة لثورة اجتماعية من الباطن يقلب فيه الاب الطاولة على ابنه الفاسد ، أو تؤنب الام ابنها لسلوكه في الرشا أو تعطيل الصالح العام ، أو لوم الزوجة لزوجها في كسب المال الحرام ، أو توبيخ الاخ لاخيه  جراء استغلال المنصب العام ، بالمختصر المجتمع ينفض من بين ثناياه كل أسباب تأخير المسيرة من فساد وقلة غيرة ، وان نفكر مرحليا بقانون مجدي لمبدأ الامركزية الادارية القائمة على أسس الإدارة الحديثة التي تتناسب مع الثوابت والأحكام والحليم تكفيه إشارة الإبهام.

 

 

 


مشاهدات 541
الكاتب خليل ابراهيم العبيدي
أضيف 2023/12/20 - 4:03 PM
آخر تحديث 2024/07/17 - 2:20 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 327 الشهر 7895 الكلي 9369967
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير