فاتح عبدالسلام
مصيبتنا في العراق، ليست في غياب التنمية أو تخلف الزراعة واندثار الصناعة وتحول التجارة الى» خبط عشواء» واستحواذ كل حزب على بنك أو تخلف القطاع الصحي وهجرة الأطباء اللامعين، وقد باتوا قلة، الى الخارج، أو تراجع التعليم العالي الى مستويات “ درخ” الملزمات والوريقات الصغيرة بديلا عن البحث العلمي وتشغيل الدماغ أو انهيار منظومات الذوق الثقافي والفني العام بوجود وزارة للثقافة محنطة جامدة تتخبط كحاطب ليل في يوم عاصف.
ومصيبة البلد ليست في تفريغ العمل الديمقراطي من محتواه بالمال السياسي والتعبئة الطائفية التي تقوم عليها كيانات أحزاب ورؤوس كبيرة فارغة.
كما إنَّ مصيبتنا ليست في تعريض الأمن الوطني كله للخطر من خلال جرّه بقرار خارجي للتورط في مواجهات عسكرية مع الولايات المتحدة مجدداً أو توريط شبابنا في حروب خارجية اشتعلت في سوريا واليمن منذ سنوات وخلفت لنا عشرات الألوف من القتلى المنسيين.
مصيبتنا ليست في تصدّر المشاهد السياسية الغث والمعقّد والمنغلق والمجاز لأسباب مرضية أو نفسية أو زوجية خارج البلد معظم أيام السنة.
ولا علاقة لمصيبتنا في العراق بتراجع قيمة الدينار وتهاوي الأفق الاقتصادي لصالح سياسة «بع نفطاً واصرف» واترك الجيل المقبل حافياً عارياً مريضاً مشرداً.
كما انّ مصيبتنا ليست بوجود مسؤولين تنفيذيين أو تشريعيين كانوا نتاج أوساط القتلة في تنظيم داعش أو المليشيات.
ومصيبتنا ليست أيضاً في المتاجرة بالدين والمنبر والإمام لأغراض سياسية وانتخابية وجنسية ومصرفية، أو انّ هناك تشكيلات عسكرية أكثر نفوذا من الجيش الوطني، أو في اشتراط ان يكون وزراء الدفاع أقل خبرةً ورُتباً من ضباط القيادة العامة للقوات المسلحة، أو انّ الضباط الدمج لا تزال معلوماتهم وخبراتهم وشهاداتهم» العسكرية» على السماع والذكريات الثمينة في مجالس دول الجوار مع حسن تقدير رئيس الحزب ورضاه.
مصيبة البلد ليست هناك، إنّما هي في انّ الفساد يتناسل، جيل سياسي يسلّم «الأمانة» لجيل.
ومَن يرى انّ كل ما ذكرناه مصيبة من نتاج مفردة الفساد، فليعلم انّ القضاء على الفساد سيكلف البلد العودة الى كل التفاصيل السابقة وشمولها بالتطهير. وقبل ذلك يتوجب عليه أن يدعو الله عز وجلّ أن يثيبنا في مصيبتنا ويلهمنا الصبر والسلوان عليها.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية