الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قصص‭ ‬ليست‭ ‬قصيرة

بواسطة azzaman

قصص‭ ‬ليست‭ ‬قصيرة

محمود شبر

على‭ ‬اعتاب‭ ‬المزحة‭ ‬سأل‭ ‬الاول‭ ‬الثاني‭ ‬قائلا‭ : ‬من‭ ‬الذي‭ ‬صنع‭ ‬هذا‭ ‬الرمز‭ ‬الجمالي‭  (‬أسد‭ ‬بابل‭) ‬الذي‭ ‬ارتبط‭ ‬اسمه‭ ‬بحضارة‭ ‬بابل،‭ ‬بل‭ ‬ارتبط‭ ‬اسمه‭ ‬باسم‭ ‬العراق‭. ‬

اجاب‭ ‬الثاني‭: ‬نبوخذ‭ ‬نصر‭ ‬ملك‭ ‬بابل‭ ‬الشهير‭. ‬

قال‭ ‬الأول‭: ‬لم‭ ‬أسأل‭ ‬عن‭ ‬الذي‭ ‬طلب‭ ‬صنعه‭ ‬بل‭ ‬سألت‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬صنعه؟‭. ‬

اعتذر‭ ‬الثاني‭ ‬عن‭ ‬جوابه‭ ‬السابق‭ ‬وصححه‭: ‬فنان‭. ‬

سأل‭ ‬الاول‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭: ‬إذن‭ ‬لم‭ ‬يصنعه‭ ‬طبيب‭ ‬او‭ ‬مهندس‭ ‬او‭ ‬محامي؟‭. ‬

الثاني‭: ‬بالتأكيد‭ ‬هذه‭ ‬اختصاصات‭ ‬مهمة‭ ‬ومحترمة‭ ‬ولكن‭ ‬لكل‭ ‬منا‭ ‬اختصاصه‭ ‬ودوره‭ ‬بالحياة‭.  ‬

هنا‭ ‬سأل‭ ‬الاول‭ ‬سؤالاً‭ ‬خبيثا‭: ‬اذن‭ ‬لماذا‭ ‬عميد‭ ‬كلية‭ ‬الفنون،‭ ‬اختصاص‭ ( ‬قانون‭)!. ‬

تكلم‭ ‬الثالث‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬ساكتاً‭ ‬وكأنه‭ ‬غير‭ ‬معني‭ ‬بالموضوع‭ ‬قائلا‭: ‬اين‭ ‬المشكلة‭ (‬القانون‭) ‬آلة‭ ‬موسيقية،‭ ‬ولا‭ ‬بأس‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬العميد‭ ‬موسيقياً‭. ‬

نهره‭ ‬صاحب‭ ‬السؤال‭: ‬اصمت‭ ‬ارجوك،‭ ‬فكلية‭ ‬الفنون‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬بها‭ ‬قسم‭ ‬موسيقى‭. ‬

والعميد‭ ‬الذي‭ ‬جاءوا‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الجامعة‭ ‬دكتوراه‭ ‬قانون،‭ (‬حقوق‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬نفسه‭ ‬يشغل‭ ‬منصب‭ ‬عميد‭ ‬كلية‭ ‬القانون‭ ‬بالجامعة‭. ‬

هنا‭ ‬صاح‭ ‬الاثنان‭ ‬معاً‭: ‬لماذا؟‭. ‬

الجدار‭ ‬والباب‭ ‬المفتوحان‭ ‬

ذات‭ ‬يوم‭ ‬غير‭ ‬متفق‭ ‬عليه‭ ‬وبحضور‭ ‬الموسيقار‭ ‬سلطان‭ ‬الخطيب‭ ‬المقيم‭ ‬في‭ ‬الدوحة،‭ ‬كنت‭ ‬انا‭ ‬وراء‭ ‬مقود‭ ‬السيارة‭ ‬ويجلس‭ ‬بجانبي‭ ‬الفنان‭ ‬الراحل‭ ‬سالم‭ ‬الدباغ،‭ ‬وفي‭ ‬الخلف‭ ‬ضيف‭ ‬بغداد‭ ‬الفنان‭ ‬سلطان‭ ‬الخطيب‭. ‬

الطريق‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬اذكر‭ ‬شارع‭ ‬عبد‭ ‬المحسن‭ ‬الكاظمي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المحيط‭ ‬في‭ ‬الكاظمية‭ ‬في‭ ‬بغداد‭. ‬

سأل‭ ‬الراكب‭ ‬في‭ ‬الخلف،‭ ‬الراكب‭ ‬بالأمام‭: ‬ما‭ ‬هو‭ ‬رأيك‭ ‬يا‭ ‬ابا‭ ‬لبيد‭ ‬بهذا‭ ( ‬السائق‭) ‬

وبهدوئه‭ ‬المعتاد‭ ‬وطيبته‭ ‬المفرطة‭ ‬اجابه‭: ‬ابو‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬فنان‭ ‬ملتزم‭ ‬واحبه‭ ‬كثيرا‭. ‬

لم‭ ‬اكن‭ ‬اعرفه‭ ‬ولكن‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬رأيت‭ ‬لوحته‭ (‬شهداء‭ ‬يستأجرون‭ ‬التاكسي‭) ‬انتبهت‭ ‬له‭ ‬ولطريقة‭ ‬تفكيره‭ ‬بالرسم‭. ‬

هنا‭ ‬اوقفت‭ ‬سيارتي‭ ‬وقبلته‭ ‬من‭ ‬رأسه‭. ‬وضحكنا‭. ‬

هذا‭ ‬الحادث‭ ‬لن‭ ‬انساه،‭ ‬لأسباب‭ ‬سوف‭ ‬اختصرها‭ ‬بإيجاز‭ ‬شديد‭. ‬

فنان‭ ‬ملتزم،‭ ‬هذه‭ ‬كلمة‭ ‬نتداولها‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬نفقه‭ ‬المغزى‭ ‬الذي‭ ‬تدل‭ ‬عليه،‭ ‬وحقيقة‭ ‬انا‭ ‬اراها‭ ‬اهم‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تقال‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬احد‭ ‬نريد‭ ‬مديحه‭. ‬ولهذا‭ ‬شعرت‭ ‬بعمق‭ ‬دلالتها‭. ‬

‭ ‬سالم‭ ‬الدباغ‭ ‬اسم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اعادة‭ ‬انتاج‭ ‬فنه،‭ ‬ويضاف‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭ ‬انه‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬اللغط‭ ‬الذي‭ ‬رافق‭ ‬ظهور‭ ‬نجوميته‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬التشكيل‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كانت‭ ‬تزدحم‭ ‬به‭ ‬الساحة‭ ‬بالأسماء‭ ‬الكبيرة،‭ ‬لكنه‭ ‬ظل‭ ‬مؤمناً‭ ‬بلوحته‭ ‬الى‭ ‬آخر‭ ‬يوم‭ ‬بحياته‭. ‬

ابهرنا‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬ورحل‭ ‬بصمت‭. ‬

شهداء‭ ‬يستأجرون‭ ‬التاكسي،‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬رسمته‭ ‬استذكاراً‭ ‬لأرواح‭ ‬اولئك‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬قضوا‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الثمان‭ ‬سنوات‭ ‬وانتهت‭ ‬العام‭ ‬‮١٩٨٨‬‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬يشبه‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬تواريخ‭ ‬حفلات‭ ‬سعدي‭ ‬الحلي‭. ‬

كانت‭ ‬سيارات‭ ‬الاجرة‭ ‬العراقية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬ان‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ (‬هذا‭ ‬السرير‭) ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬اعلى‭ ‬سقف‭ ‬السيارة‭ ‬ليكون‭ ‬دورها‭ ‬فاعلا‭ ‬اوقات‭ ‬الهجمات‭ ‬في‭ ‬جبهات‭ ‬القتال،‭ ‬حيث‭ ‬انها‭ ‬كانت‭ ‬تنقل‭ ‬الشهداء‭ ‬الى‭ ‬بيوتهم‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الى‭ ‬مقابر‭  ‬العراق‭ ‬التي‭ ‬صاحت‭ ‬الغوث‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬الموت‭ ‬المنتشر‭. ‬


مشاهدات 708
أضيف 2023/05/27 - 6:27 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 4:36 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 403 الشهر 11527 الكلي 9362064
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير