لبنان بعيون عراقية
أطلال بعلبك .. المشروع المعماري الأكثر جرأة حتى اليوم
رعد أبو كلل الطائي
بعلبك مدينة في لبنان في قلب سهل البقاع وتحيط بها من الشرق والغرب سلسلة جبال لبنان الشرقية والغربية وتشتهر بغناه ووفرة محاصيله الزراعية لأمتداد اراضيه وغزارة نهر الليطاني التي تروي اراضيه وتقع شرق نهر الليطاني في وادي البقاع
وعلى بعد أميال قليلة من المستنقع الذي يتدفق منه النهر والمدينة تبعد عن العاصمة بيروت بواقع 67 كم شمال شرق بيروت وهي عاصمة محافظة بعلبك - الهرمل .
وفي اوائل العام 2000 قبل الميلاد انشأها الفينيقيون وبنوا فيها أول هيكل
لعبادة إله الشمس (بعل) ومن هنا حصلت المدينة على إسمها وفي عام 331 قبل الميلاد احتلها الاغريق وغيروا اسمها إلى هيليو بوليس أو مدينة الشمس ومن ثم وقعت بعلبك في القرن السادس قبل الميلاد تحت السيطرة الرومانية .
واشتهرت المدينة عبر
العصور لموقعها على الخطوط البرية شيد الرومان فيها معابد ضخمة وان آثارها الجاذبة للسياح تشهد على عراقتها وتسميتها قديمة إذ ذكرت في التوراة بأسم بعلبق مكون من بعل وتعني مالك أو سيد أو رب وكلمة بق وتعني
البقاع ويكون معناها إله وادي البقاع وهناك الكتابات والنقوش التي ما زالت ماثلة إلى اليوم على قواعد الاعمدة وحجارة المعابد في هياكل بعلبك ونقوش هياكل البعلبكية التي حملت صور الأباطرة وأسماؤهم .
قلعة بعلبك
تُعد قلعة بعلبك مجمعاً آثارياً كبيراً يحتوي على آثار مدينة رومانية قديمة وكانت قبل تسعة قرون مكاناً للعبادة واصبحت القلعة حجر الأساس للحضارات القديمة وهي من القلاع العريقة في الشرق الأوسط وتحديداً في لبنان وترتفع عن سطح البحر قرابة 1130.
متراً . وفوق أعلى مرتفعات سهل البقاع تتربع قلعة بعلبك المتجذرة في التأريخ والتي تعتبر من روائع العالم القديم ومن أكثر الأثار الرومانية عظمة والتي تعود تاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف سنة وتقع القلعة في مدينة
بعلبك والتي تعتبر من أهم المدن السياحية في لبنان والعالم نظراً لأحتوائها على معابد رومانية ترجع لألاف السنين .
وتم بناء مجمع تل بعلبك المحصن كقلعة في المدينة خلال العصور الوسطى من الحجر المحلي ومعظمه من
الغرانيت الأبيض والرخام الأبيض الخام على مر السنين وعانت المنطقة من الزلازل العديدة وتحطمت معظم الأيقونات من قبل الوردات المسيحين والمسلمين وتم إعادة استخدام حجر المعابد في التحصينات وغيرها.
من أعمال البناء
وبُني ضريح قبة دورس القريب من المجمع وهو مزار إسلامي من القرن الثالث عشر الميلادي على الطريق القديم إلى دمشق من اعمدة من الغرانيت ويبدو إنها اُزيلت من بعلبك علاوة على ذلك كانت الاعمدة المتصلة ذات يوم تُربط مع الحديد
وتم اقتلاع العديد منها او الأطاحة بها من قبل أمراء دمشق للوصول إلى المعادن .
أعجوبة آثارية
وتتمثل آثار بعلبك على هيئة أعجوبة آثارية إذ تحتوي على آثار شاهقة واعمدة مدهشة وقد كانت بعلبك مركزاً ومكاناً
مقدساً في بلاد ما بين النهرين وحتى عام 150قبل الميلاد كان الموقع معبداً للقبائل الفينيقية ثم جُلب المعبد إلى العصر المسيحي بفعل قسطنطين الكبير على الإمبراطورية الرومانية . ولكن بعد نقل المعبد إلى الإمبراطورية العثمانية بدأ الانحدار وتراجع هذه
الأطلال وقد تم التخلي عن هذه الآثار وتركت في حالة من الخراب والدمار فيما شهد الموقع استمرارية تدمير العواصف والقوى الطبيعية حتى عام 1898م وبعد ذلك قام الامبراطور الألماني فيلهليم بزيارة المكان وكان الرائد في
استعادة بعلبك والمحافظة عليها .
وفي الوقت الحاضر تُعد بعلبك واحدة من أكبر الكنوز التراثية والآثارية والتأريخية في لبنان.
وتتألف القلعة من الدكة والرواق المقدم والبهو المسدس والساحة الكبيرة التي تم بناؤها بين أعوام 98 - 117 ميلادية وبرج
المذبح الذي يعود تأريخه لعهد الملك نيرون بين اعوام 54 - 68 قبل الميلاد ويقع وسط باحة المدينة كما تضم القلعة متحف هياكل بعلبك ومسجد إبراهيم والقلعة العربية .
معابد بعلبك
وبعلبك موطن لمجمع معابد يضم ثلاثة من أكبر
آثار المعابد الرومانية :
1- معبد جوبيتير
2- معبد باخوس
3- معبد فينوس
وسُجلت مدينة بعلبك كموقع للتراث العالمي لليونسكو في عام 1984م .
معبد جوبيتير
ويُعرف هذا المعبد بالقلعة وإلى جانبه دير مارحنا
ويعود تأريخ المعبد إلى 16 قبل الميلاد ويعتبر المعبد من أهم الآثار المكتشفة في منطقة بيت مري وتتميز حجاراته بالضخامة التي تجعلها شبيهةٍ باعمدة وحجارة قلعة بعلبك وفي اواخر القرن السادس عشر كان معبد جوبيتير لا يزال يضم 27 عموداً قائماً من
اصل 58 عموداً في حين كان هناك 9 اعمدة قبل زلزال الشرق الأدنى عام 1759 بينما يحتفظ المعبد حالياً 6 اعمدة .
ويقع المجمع على ساحة مرتفعة ضخمة أُقيمت على ارتفاع 5 امتار فوق قاعدة سابقة على شكل حرف T يتكون من منصة
ودرج وجدران اساس وتم بناء الجدران من حوالي 42 مونوليت في أدنى مستوى لها ويزن حوالي 300 طناً لكل منها ويحتوي على الأحجار الثلاثة الشهيرة باليونانية وهي عبارة عن صنف من ثلاثة احجار يزيد طول كل منها عن 19 متراً وبأرتفاع 4 امتار و40 سنتيمتراً .
معبد اصغر
وبعرض 3 امتار و60 سنتيمتراً ومقطوعة من الحجر الجيري وتزن كل منها 800 طناً تقريباً ويطلق على الحجر الرابع الذي لا يزال أكبر حجماً صخرة المرأة الحامل وهو حجر غير مستخدم يقع في محجر قريب على بعد800 متراً من المدينة .
معبد باخوس وهو معبد أصغر حجماً من معبد جوبيتير ويقع بمحاذاة الهيكل الكبير وإلى الجنوب الشرقي من قلعة بعلبك وخارجها وداخل الحرم القدسي
ويمتاز بكونه افضل الهياكل الرومانية خططاً ومن ابدعها نقشاً وزخرفةً على الإطلاق وكانت
زخرفته على شكل صفين من الاعمدة ويعود تأريخ بناؤه إلى القرن الثاني الميلادي .
ولعل أبرز ما يميز هذا المعبد في قدرته في الحفاظ على معالمه رغم مرور الزمن ويقوم المعبد على هيكل صغير مشيد لا مثيل لتصميمه في أنحاء العالم الروماني كافة على الإطلاق في حين يتألف من بوابة عملاقة يصل ارتفاعها إلى 13 متراً وعرضها حوالي 6 أمتار ويقع على منصة ذات ارتفاع 5 أمتار ويمكن الصعود اليه بدرج عظيم يتألف من ثلاث وثلاثين درجة .
وكان الهيكل مخصصاً لتكريم الالهة التي تمثل مدينة بعلبك وتشفع لها أمام آلهة العظام وهذا يفسر توجيه المعبد وتحويله في العصر البيزنطي إلى كنيسة على أسم القديسة بربارة التي تعتبر شفيعة المدينة ٠ وقد تم بناء هذا المعبد من اجل أداء الشعائر
الدينية الخاصة بطوائف معينة وكانت هذه الشعائر والعبادات تتمحور حول إله بعلبك الشاب المعروف بأسم باخوس والذي كان يشرف على نمو النبات والقطعان وما يزال المعبد والبرج الملاصق له يُعرفان حتى اليوم بدار السعادة ٠
وتقوم إلى الجهة الغربية من المعبد أطلال مسجد من العصر الأيوبي يُعرف بأسم مسجد إبراهيم فيما كانت حامية بعلبك في تلك الفترة تجتمع فية لإقامة الصلاة ٠
معبد فينوس
معبد دائري وهو لؤلؤة أخرى وذروة التطور في المنطقة الداخلية لمعبد
باخوس في بعلبك القديمة ويشترك معه في العديد من التفاصيل الزخرفية ويقع في الجنوب الشرقي من القلعة ويقوم على هيكل صغير مستدير لا مثيل لتصميمه في جميع أنحاء العالم الروماني على الإطلاق فهو مبنيٌ على
منصة على شكل حدوة حصاة ويتألف من ضريح وتزيين واجهته الخارجية بخمسة محاريب وتماثيل رائعة الجمال ٠
وتم بناء المعبد على موقع الحرم الفينيقي القديم في القرن الثالث الميلادي وكان هيكله مخصصاً لتكريم الإلهية التي تمثل مدينة بعلبك وتشفع لها
أمام آلهة المدينة العظام وهذا ما يفسر توجيه المعبد بأتجاه المعبد الكبير وتحويله إلى كنيسة على أسم القديسة بربارة التي تعتبر شفيعة المدينة وتقول التقاليد المحلية فيها إنها ولدت واستشهدت في بعلبك وما يزال اهالي بعلبك
يطلقون أسم بربارة على هذا الهيكل حتى اليوم وعلى مقربة من هذا الهيكل بقايا هيكل آخر يرجع تأريخه إلى بدايات القرن الأول قبل الميلاد وكان مخصصاً لعبادة الموسات ربّات الفنون والآداب ٠
أن بناء هذا المعبد اختصر على زخرفة المحاربين
الخارجية ذات العدد القليل والتي تعلوها اصداف بحرية تحمل فوقها حمائم فضلاً على تعدد المنحوتات وكتل المنحوتات الدقيقة للمعابد مما يجعلها مسكناً مناسباً للألهة وان هذا المعبد كبقية المعابد تعرض هو الآخر إلى
الزلازل والهزات وتم تدمير أجزاء منه ثم أُعيد بناؤه وترميمه ٠
جولة استقصائية
ولألقاء الضوء على معالم مجمع بعلبك الآثاري اجرينا جولة استقصائية لمحافظة بعلبك - الهرمل التي تقع في وادي البقاع شرق نهر الليطاني
منطلقين من ساحل بيروت على البحر المتوسط ومن منطقة فرن الشباك بالتحديد واتجهنا من خلال الطريق الدولي السريع إلى شمال شرق بيروت قاصدين مدينة بعلبك التي تقع في قلب لبنان في سهل البقاع الذي يشتهر بالمحاصيل الزراعية وغزارة نهر
الليطاني وبعد مسير عدة كيلو مترات وصلنا مدينة العياضية فمدينة عاليه ثم مدينة حمانا وبعدها مدينة شتورا ٠
الطريق جميل جداً إذ الطبيعة الزاهية وجمال المناظر حتى توقفنا في مدينة صور لأخذ الصور التذكارية وبعد مسيرة
استغرقت حوالي ساعة وصلنا مدينة زحلة ثم بعدها وصلنا مدينة بعلبك التأريخية وعندما دخلنا المدينة لاحت أمامُنا قلعة بعلبك الشامخة بمناظرها وآثارها ومعابدها وهياكلها الباسقة السامقة واعمدتها المدهشة المتناسقة الجميلة ٠
وخلال تجوالنا في القلعة
شاهدنا مدى اهتمام بلدية مدينة بعلبك بمجمع القلعة إذ شاهدنا ملاكات البلدية وقد شمروا عن سواعدهم لتحسين المرافق العامة في المدينة وبناء بنية تحتية وتجميل الشوارع والأحياء وأجراء الترميمات والتحسينات
الازمة داخل القلعة لتكون هذه المدينة تليق بكونها مدينة سياحية وآثارية عالمية لتستقطب السائحين من مختلف أنحاء العالم ٠
وبخصوص ترميمات القلعة ومعابدها يقول السيد حسين اللقيس رئيس بلدية بعلبك :
تم ترميم الجزء الأول من
هياكل القلعة شملت معبدي باخوس وفينوس وهناك متابعة دقيقة لعملية الترميم من قبل مستشارين وفنيين من بلدية بعلبك ومن قبل وزارتي الثقافة والسياحة لتلافي الأخطاء من عمليات الترميم ٠
وللأهمية التأريخية
والثقافية لآثار وهياكل بعلبك قامت المديرية العامة للآثار في لبنان بالتعاون مع معهد الألماني الآثاري وشركة فلاي أوفر زون الأميركية بإطلاق تطبيق إعادة أحياء بعلبك ومعابدها والتطبيق يُعد هو الأول من نوعه ضمن سلسلة تطبيقات ستقدم جولات افتراضية ثلاثية
الأبعاد في المواقع الآثارية في مدينة بعلبك وذلك في إطار مشروع إعادة أحياء المدينة ٠
ختاماً نقول :
تشكل بعلبك أحد دعائم السياحة في لبنان إذ تقام فيها مهرجانات بعلبك الدولية سنوياً وتجذب إليها عدداً كبيراً من
السياح العرب والأجانب فيما تستقطب في الوقت نفسه الأعمال المسرحية والموسيقية وابرز الفنانين العرب والأجانب فيما تشهد قلعتها نشاطات ثقافية على مدار السنة وفي الأونة الأخيرة اُقيم معرض الصدى الصامت الذي استمر لمدة شهر كامل استضاف
خلاله عدداً كبيراً من الزوار العرب والأجانب المعنيين والمعرض عبارة عن مزج بين الفن الحديث والفن القديم جداً ليرى المشاهد الفرق ما بين الفنين في حين اقامت بلدية بعلبك مؤخراً توأمة مع عدة دول أوربية ومع احدى
المدن الروسية ٠
وأخيراً وليس اخراً فإن زائر مدينة الشمس بعلبك عليه تذوق مأكولاتها المتنوعة التي تشتهر بها ولعل أبرزها الصفيحة البعلبكية والتي تحتوي على خبز التنور والمشاوي والكبة ٠