الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
سيرة الاوجاع العراقية ومسيرة الامل المذبوح في منازل العطراني

بواسطة azzaman

سيرة الاوجاع العراقية ومسيرة الامل المذبوح في منازل العطراني

 طه عجام

 

لقد تعرفنا على د.جمال العتابي وعلى مدى عقود كاتبا وناقدا ادبيا وتشكيليا ودارسا عميقا للمكان وتجلياته إضافة لحضوره الفاعل ناشطا في العمل السياسي ومثقفا يساريا أسهم في رفد الصحف والمجلات الادبية والثقافية بدراسات نقدية مهمة ،فهو الأديب والناقد التشكيلي البارع في دراسة الأعمال الفنية والصحفي المجتهد والمثابر في الصحافة اليسارية منذ سبعينات القرن الماضي وإلى اليوم.

اليوم نتعرف عليه روائيا من خلال عمله الروائي الاول ((منازل العطراني))الصادرة ضمن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.

أزعم أني تعرفت عليه ساردا بارعا يمتلك قدرة فائقة في الإمساك بالنص السردي في كتابه ((داخل المكان ))رغم إن الكتاب معنيا بدراسة روح المكان وانعكاساته.

وفي منازل العطراني تتجلى براعته في تقديم عمل روائي متماسك ينبض بالحياة بإسلوب رشيق في لغته واستخدام مفرداتها بثراء الوصف والمعنى الذي منح للعمل شاعريته .

إنها رواية أجيال متعاقبة عاشتها عائلة ((محمد الخلف))في ظل انظمة تعاقبت على السلطة،والعذابات والمحن التي حاصرتها ،وهي تواجه انظمة قمعية مارست شتى صنوف العذاب للقابضين على جمرة إنتمائهم الوطني والفكري .

((محمد الخلف ))المعلم والمثقف والفنان والوطني الملتزم والمؤمن بافكار حزبه في الدفاع عن آمال واحلام الفقراء والأبداع لأسرة كبيرة لم يكسره السجن والتعذيب منذ العهد الملكي ،عاش تجربة الهروب من السجن بكل قسوتها بما انطوت عليه من الخوف من الإمساك به مما اضطره للاختفاء في منزل في العطرانية.

امراءة قوية

ظل متمسكا بالأمل في التغيير رغم عنف وهمجية السلطة ،ولقد دفعت عائلته الكبيرة أثمان باهظة في فترة هروبه واختفائه،وكانت زوجته ((زهرة))المرأة القديسةحقا وهي تتحمل أهوال المعاناة والتعب الجسدي والنفسي من اجل إدارة شؤون عائلتها،الأم التي يصفها إبنها الأكبر (خالد)

((إمرأة عاشت عمرا كاملا من الأحزان والمرارة،مع ذلك ظلت شامخة كنخلة راسخة في الأرض))

ولقد كان لسيرة ومواقف الاب تأثيرا كبيرا في مسيرة اولاده وتوجهاتهم الفكرية والثقافية والفنية ،فكان الانموذج والقدوة ،فكان للابن الاكبر خالد نصيبا مما لحق بأبيه حيث اعتقل لمرتين لكنه هو الآخر كان صلبا ولم يغادر احلامه في اكمال دراسته الجامعية .ماكان ل((محمد الخلف ))أن يحتمل كل تلك العذابات ويعيش الخوف والرعب مما سيأتي له ولعائلته لولا إنتمائه السياسي ،ذلك الانتماء الذي آمن به مخلصا بعدالة الافكار التي يبشر بها الحزب .لكنه وبعد كل تلك التجارب التي عصفت بالبلاد ومستقبلها وبحياته وعائلته يتوقف متأملا تلك المسيرة شديدة القسوة ،يطرح أسئلته التي ظلت تسكن ضميره وعقله والتي هي أسئلة كل الرفاق الذين خاضوا تجربة العمل الحزبي ،يكتب في إحدى أوراقه :

((شهدت مرحلة مابعد تموز 1958غيابا للممارسة الديمقراطيةفي إلغاء الدستور ،وتعطيل البرلمان ،تمرير كذبة إنهاء فترة الانتقال وإجازة الاحزاب بسيناريو هزلي من إعداد الزعيم لمصادرة الحريات ))

((السلطة يقودها العسكر ،التجارب التاريخية علمتنا إن الديكتاتوريات يصنعا أولئك))

لقد كان ((محمد الخلف))الانسان والتربوي والمثقف والوطني تأثير فاعل في عائلته ،أولاده ينهلون من سيرته الحكمة والرفعة وترسيخ حضورهم الاجتماعي فاعلين في مجالات الثقافة والفكر والفن .وهكذا كان ولده ((عامر))الفنان المبدع في إنجازاته في الرسم والخط والتصميم والذي سيشكل إختطافه من قبل الأمن وإعدامه لاحقا الفاجعة المريرة التي اهتز لها كيان العائلة ،مثلما كان لالتحاق الابن ((ضياء))بمعسكرات الانصار في كردستان والتي وجد فيها أخوه عادل لعبة فاشلة منذ البدء وخروجه الى اوربا وجعا آخر ..

((منازل العطراني ))رواية تسمو  بالصدق ،رواية العراق واهله واجيال احترقت بنيران السلطات الفاشية في حروبهم العبثية واحرقت معهم احلامهم في حياة حرة كريمة .رواية انطوت على سلاسة السرد وإشراقة الذاكرة عند الكاتب وهو يستحضر ذكريات احتفظت بألقها وحيويتها رغم تقادم السنين ليمنحنا قراءة تاريخ وطن لم تزهر فيه المسرات مرة،فالاوضاع حاضرة بقوة .إني لأجد في ((عامر))الانسان والفنان الذي ظل أمينًا لإرث والده الفكري والاخلاقية ونهايته الفجائعية تجسيدا لمحنة وخيبات ومصائر آلاف العراقيين الذين انتهوا في أقبيةالتعذيب بلا قبور يغسلها الاهل بدموع من دم  ماأقسى الاحلام الثورية حين تدفعنا بأجنحتها الرومانسية الى الموت ..

 


مشاهدات 728
الكاتب  طه عجام
أضيف 2023/11/03 - 3:25 PM
آخر تحديث 2024/07/18 - 9:21 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 415 الشهر 7983 الكلي 9370055
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير