قمة الدول العشرين الأخيرة.. مشروع الممر الهندي المنافس للصين

قتيبة آل غصيبة

أنتهى يوم 10 أيلول /سبتمبر 2023، إجتماع القمة الدوري الثامن عشر لمجموعة الدول العشرين الصناعية ؛ الذي حضره جميع رؤساء الدول المشاركة فيه ؛ بغياب الرئيس الصيني "شي جين بينغ" وحضره نيابة عنه رئيس وزرائه ؛ والرئيس الروسي بوتين ؛ وحضره وزير خارجيته ؛ وعقد الاجتماع  تحت شعار ؛  "أرض واحدة - عائلة واحدة - مستقبل واحد" ؛ وناقش فيه العديد من القضايا الدولية ؛ في مقدمتها ظاهرة التغير المناخي وتداعياتها على البيئة والاقتصاد العالمي وضرورة المحافظة على كوكب الارض بيت البشرية ؛ وتأثير الحرب الدائرة في أوكرانيا وتداعياتها السياسية والاقتصادية والامنية  ؛ بالاضافة الى التركيز على الجانب الاقتصادي ؛ والاهتمام بمساعدة الدول النامية خاصة بعد انضمام مجموعة "اتحاد الدول الافريقية المؤلف من 55 دولة أفريقية" في هذا الاجتماع . 

لقد تحول شعار هذه القمة  "أرض واحدة - عائلة واحدة - مستقبل واحد" الى واقع بعد توقيع مذكرة تفاهم ؛ بين الهند والولايات المتحدة ودولة الامارات والسعودية وممثل دول الاتحاد الاوربي وعددا آخر من الدول على مشروع  " الممر الاقتصادي بين الهند - الشرق الاوسط - أوربا ؛ او ما يعرف اليوم  بمشروع ( ممر)" ؛ وهو مشروع حيوي ؛  يمثل جسرا بحريا وبريا مشتركا ينطلق من "موانئ مومباي غرب الهند" مرورا بدولة الامارات ؛ ثم السعودية ؛ ليتجه  برا الى الاردن ومنها الى الموانئ الفلسطينية في الكيان الصهيوني ؛ ومنها الى أوربا ؛ فهذا المشروع وفقا لأهدافه ؛ سوف يساهم بتحقيق الكثير من فرص العمل ؛ والاستثمارات الاقتصادية ؛ وتسهيل سلسلة الامدادات ؛ ويضع أساسا للأمن الغذائي ؛ وان تنفيذ هذا المشروع سيعمل على تغيير موازين القوى ؛ من خلال إنشاء منظومة متكاملة للنقل البحري والسكك الحديدية بما يسمح بتدفق التجارة ومصادر الطاقة من الهند وإليها عبر الشرق الأوسط والغرب.

حظي هذا المشروع منذ بدايته  بالدعم الامريكي ؛ إذ اعتبرته واشنطن جزءاّ من الشراكة مع الهند ؛ وأحد أهم المبادرات التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة ؛ وقد أبدى الرئيس الامريكي بايدن شكره وكرر كلمة الشكر ثلاث مرات ؛ لرئيس دولة الإمارات محمد بن زايد ؛  صاحب فكرة  مشروع ربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا ؛ الذي ينافس في اهميته مشروع الحزام والطريق الصيني، قائلا له : "لم نكن هنا لولاك." إذ كانت البدايات لهذا المشروع عام 2017، عندما وقعت الهند ودولة الامارات ثلاث اتفاقيات عالجت فيها ؛ الأولويات الغذائية الاستراتيجية للهند ؛ من خلال إنشاء أطر تعاون بينها وبين دولة الامارات العربية في تجهيز الأغذية ؛ والنقل البحري ؛ ولوجستيات الشحن والتخزين ؛ فقد أُعتبرت هذه  الاتفاقيات بمثابة نقطة انطلاق لتطوير الإمارات العربية المتحدة للبنية التحتية اللوجستية والتوزيع، وهي الجذور الأولية للمشروع الذي انبثق اليوم في قمة العشرين المعروف (بالممر).

ممر اقتصادي

 ومن الجدير بالذكر فقد أعرب رئيس وزراء الكيان الصهيوني عن فرحته بالتوقيع على هذا الاتفاق ؛ عندما خاطب مواطنيه : ((مُرحباً بهذا المشروع الذي يربط الهند بالامارات العربية والسعودية واسرائيل وصولا الى اوربا ؛ والذي جاء نتيجة طموحات وجهود تعود لسنوات طويلة (وفقا لزعمه) ؛ مؤكدا ان هذا المشروع سيغير وجه اسرائيل بإعتبارها المفرق الرئيسي لهذا  الممر الاقتصادي الحيوي؛ ويعزز من مكانتها الاقتصادية والجيو سياسية.))

بناءاً على ذلك يمكن القول ان هذا الممر الاقتصادي الذي تعتبر الهند مركزه الاساسي ؛ سوف يساهم بقلب موازين القوى في العالم ؛ فهو يمثل جزءا من السياسة الامريكية لاحتواء الصين ؛ وخاصة  "مشروع الحزام والطريق "؛  الذي تسعى فيه الصين لربط شرق العالم بغربه  وشماله بجنوبه ؛ وإن الهند بذلك ستكون واحدة من الادوات الامريكية  في الصراع المحتدم بين واشنطن وبكين ؛ لاسيما وان الهند تطمح ايضاً ؛ لإنشاء ممراً اقتصاديا اخر يربطها بأفريقيا ؛ وآخراً يربطها بروسيا عن طريق ايران ودول القفقاس ؛ مما يؤدي الى التقليل من أهمية مشروع الحزام والطريق الذي تعتبره الصين اهم مشاريعها الحيوية ؛ إذ  سيكبح طموحاتها الاقتصادية ؛ لأنها تعول عليه كممر اقتصادي رئيسي ؛ بعيدا عن الضغوطات  المتزايدة للولايات المتحدة وحلفائها في منطقة بحر الصين الجنوبي ؛ وإن هذا الامر سيزعجها ويثير قلقها من هذا المشروع الاستراتيجي الذي تحمست له الولايات المتحدة الأمريكية كثيرا ؛ فقد تحدث الرئيس الامريكي في نهاية هذا الاجتماع عن أهمية هذا المشروع قائلا : " ...أنا فخور بأننا قد أنهينا هذا الاتفاق لتشكيل هذه المجموعة الاقتصادية التي تمتد من الهند حتى تصل الى  أوربا ؛ عبر دولة الامارات  والسعودية والاردن