الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حميد سعيد بين بلاغة التشكيل البصري وشعرية الرؤية

بواسطة azzaman

حميد سعيد بين بلاغة التشكيل البصري وشعرية الرؤية

عصام شرتح

 

البحث

لاشك في إن الشعرية اليوم تفعيل إيقاعات بصرية أو لنقل : تفعيل   علامات بصرية درامية تسهم في الكشف عن الكثير من المنعرجات النفسية والشعورية التي تتغور أعماق الشاعر، فيقوم  الشاعر بمراكمة هذه العلامات بشكل لافت في بعض السياقات الشعرية المحتدمة التي تكتظ بالأحداث والمواقف والرؤى الاغترابية المأزومة، فليست الدراما البصرية بأقل أهمية من الدراما اللغوية في تحفيز الرؤية الشعرية واستثارة إيقاعاتها  ومتحولاتها الجمالية، وعلى هذافإن المستوى  الكتابي لا يمكن اعتباره ثانوياً، لأنه يحمل دلالات يمكن سبر أغوارها حتى لو كان المبدع نفسه لا يتحكم في أنتاج قصدي للمستوى الكتابي في أثناء عملية الإبداع الشعري”(1).

ومن يطلع على البنية التركيبية  لقصيدة(( رجلٌ في السبعين.. وسيدة ٌ في...؟) لحميد سعيد يدرك أن لعلاماتها البصرية دلالات نفسية اغترابية تدخل في تحفيز الأحداث والرؤى الشعرية الاغترابية بكل ما تحمله هذه الكلمة من رؤى ودلالات مفتوحة على أشدها، فالقارئ يلحظ في كل علامة  بصرية قيمة نفسية تنطوي عليها لاسيما تلك القيم التي تتمثل  بالإحساس بالزمن وأثره النفسي وانعكاسه على موقف الشاعر الوجودي ككل، فكانت العلامات البصرية أيقونات بصرية لغوية تكشف عن حالة القلق والإحساس الوجودي الاغترابي المأزوم، ليشكل قصيدته تشكيلاً درامياً متوتراً، كما في قوله:

رجلٌ في السبعين.. وسيدة ٌ في....؟

يلتقيان..

بمشفى في عمان..

. . . . . . .

أتعرفني..؟

.  .  .  .  . .

يفترقان”(2).

هنا، يثيرنا الشاعر بالدراما البصرية عبر تناوب الفراغات وعلامات الترقيم، وكأنها قيم فنية مرجعية تؤثر في إبراز الكثير من النواتج الدلالية الاغترابية التي تستعيد ذكريات ما كان، والشاعر على ما يبدو هنا ، عبرَّ عن الكثير من الرؤى والدلالات النفسية الوصفية، التي تصف حال الرجل السبعيني، وقد التقى مع سيدة في لقاء خاطف سريع عبر عنه بالفراغات والفواصل النقطية( أتعرفني..؟)، وهنا جاء التساؤل ممتداً بصرياً عبر النثيث والفراغ النقطي المفتوح(... .../ ... ... يفترقان )، وكأن هذا الافتراق افتراق شعوري دلائلي مأزوم  يلقي بظلاله على مرحلة مهمة من حياته عاشها  في العراق، ووجد في حضورها المباغت في اغترابه بعمان الأنس وشريط الذكريات الذي  يتذكر من خلاله الكثير من الرؤى والمشاهد والذكريات التي تعيده إلى سن الشباب والصبا، وهذا دليل أن الشعرية كتلة مؤثرات وعلامات بصرية مفتوحة برؤاها ومؤثراتها الفنية، هي التي تتحكم في تحفيز الدراما الشعرية عبر تفعيل  الدراما البصرية التي تعضد شعرية الرؤية وبلاغة المشهد الشعري الملتقط.

والمثير أن تفعيل الدراما البصريةفي القصيدة- يشتغل على المخيلة الشعرية في ربط الشكل البصري بمثيره الشعوري النفسي، مما يدل على حراك الرؤى الشعرية بين شكلين متضافرين أو متعاورين في بث الدراما الشعرية المتوترة أو المأزومة، هما:( الشكل البصري/ والشكل اللغوي)، ليخلق حالة من الممانعة الجمالية الأسلوبية في ربط المثير اللغوي بالمثير البصري، وتحفيز التواتج الدلالية وتعميقها في الكشف عن حالة الاصطراع النفسي الشعوري التي يعيشها في اغترابه، ويجسدها بصريا عبر الفراغات وعلامات الترقيم بوصفها أيقونات بصرية تحرك الدراما البصرية والنفسية للكشف عن الكثير من المضمرات النصية التي تعتصر كيانه وشعوره الداخلي المأزوم ، كما في قوله:

في شارع فيصل فرحان الجربا.. حيث يقيم

رآها..

يتبعها كلبٌ جبليُ حذرٌ

أسرع..

فابتسمتْ..

وهي تقول .. أحقاً لا يتذكرني؟”(3).


مشاهدات 646
الكاتب عصام شرتح
أضيف 2023/08/26 - 12:11 AM
آخر تحديث 2024/06/29 - 9:47 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 134 الشهر 134 الكلي 9362206
الوقت الآن
الإثنين 2024/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير