الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تخطيط إدامة الموارد طريق شرعية السلطة

بواسطة azzaman

تخطيط إدامة الموارد طريق شرعية السلطة

 

حسين فوزي

 

ليس من الذكاء الحديث عن تدني قدرات المواطن الشرائية نتيجة تضخم أحد عوامله الرئيسة هو توقف المنشئات الإنتاجية الزراعية والصناعية لحساب دول الجوار وأطراف أخرى، فبعد أن كان العراق ينتج الكثير من احتياجاته الصناعية الخفيفة بالكامل، مثل البطاريات والمصابيح وأجهزة التدفئة والتلفزيونات وبداية إنتاج أجهزة التكييف الخفيفة والمتوسطة، بجانب تصاعد المنتجات الزراعية من الحبوب والدواجن ومشتقاتها، بات العراق اليوم مستورداً لمنتجات المشروبات الغازية والألبان وحتى التمور من إيران والسعودية والإمارات!!؟ إن سياسية زيادة الرواتب أو أي ضخ للنقد إلى الملاك الوظيفي ضمنه المتقاعدين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية، في ظل استمرار توقف الإنتاج الوطني، يعني أن هذه الأموال ستؤدي إلى ارتفاع مباشر يوازيها في أسعار السلع الضرورية وغير الضرورية، وفق قاعدة الأواني المستطرقة في الفيزياء، ووفق قانون العرض والطلب في حالة عدم توفر بدائل من السلع والخدمات الوطنية، مما يعني زيادة النقد عما متوفر من سلع وخدمات وطنية.

إن حكومة السيد السوداني مدعوة إلى مراجعة الهياكل التي كانت قائمة في الدولة العراقية التي أدت إلى ان يكون سعر كيلو الرز الأجنبي بـ 120 فلساً أيام زمان، بمعنى لماذا كان الدينار العراقي عزيزاً، ولماذا آلت الأمور إلى هذا الوضع...نعم الحروب العبثية، نعم ما ترتب عليها من مستحقات للإخوة في الكويت وغيرهم .. لكن الكثير من هذه الأعباء قد انتهت، فلماذا تظل مواردنا مثقلة وكأننا ما زلنا نعيش في الأيام الأولى ما بعد الانسحاب الأميركي البريطاني ؟ إنها سرقة الموارد من قبل الفاشلين.

زيادة رواتب

إن سياسة دغدغة الجماهير بزيادة الرواتب هي سياسة قصيرة النظر، وهي كما كان حال الحكومات السابقة، وحتى النظام السابق ترتد عليها، لكن رعاية المؤسسات الإنتاجية ودعمها وتوفير المواد الغذائية المحلية، مثل البيض والدجاج..الخ، وليس استيرادها من إيران وتغليفها بـ"صنع في العراق"، هي خطوة مهمة. صحيح نحن نواجه نضوب الموارد المائية، لكن ماذا عن الصناعة، والخدمات الطبية والتعليمية والنقل ...كل شيء أسعاره مرتفعة، لأن الخدمات الوطنية للقطاع العام قد شلت، سواء بفعل ضغوط خارجية أو تفاقم حالة الجشع، والسعي لمصادرة مؤسسات الدولة في الصحة والتعليم والنقل والاتصالات وتملكها ممن استحوذوا على أموال الدولة العراقية بعد الاحتلال، أو ممن اغتنوا بين ليلة وضحاها لمواقعهم من سلطة ما بعد الاحتلال.

إن زيارات السيد الكاظمي خطوة حميدة، وهي تذكر المواطنين بجولات المرحوم الفريق الركن عبد الكريم قاسم ومقولته الشهيرة لصاحب احد المخابز عندما شاهد صورته كبيرة جداً في المخبز فقال له "يا ريت لو تصغر صورة الزعيم وتكبير شنكة العجين.."...إنها زيارات تشكل تحفيزاً للملاك الوظيفي والإنتاجي الرسمي وغير الرسمي، لكنها لن تستدام ما لم تكن ضمن خطة اقتصادية خدمية تعتمد مبدأ تشغيل كل الطاقات المعطلة، ضمنها الإفادة من الخبرات العراقية عالية الكفاءة بديلاً ممن استحوذوا على مناصب الدولة بقرابتهم من السلطة.

وبالطبع فأن مثل هذا الهدف الكبير لن يتحقق بدون سلطات كمارك محكمة بالحوكمة الالكترونية، على أيد نزيهة، لأن كل شيء يمكن أن يكون له حدين، فالحوكمة مهما بلغت من دقة يستـــطيع الفاسدون ابتكار وسائل اختراقها، ومن الأمثلة البسيطة البوابات الالكترونية لكراجات الدولة، فبواباتها الالكترونية يمكن أن يتحرك الفاسدون من منافذ خارجها...وهلم جرا..

إن إعادة صياغة مبادئ العمل اليومي للوظيفة العامة شرط ضروري ملح في الارتقاء بالأداء الوطني العام لزيادة المردود ليس بالأوراق النقدية، بل بالسلع والخدمات الأساسية وما يبنى عليها من احتياجات اكثر تطوراً مع ارتقاء القدرة الوطنية والتقدم الاجتماعي  لمواطنين منتجين لا معاشين على عوائد النفط وحراس تصديره للشركات متعددة الجنسيات.

إن السوداني بزيارته لمستشفى الكاظمية، وهي صرح من الصروح الطبية الرئيسة ليس في بغداد بل العراق، ومحاسبة الملاك الوظيفي المتنفذ ممن لا يداوم خطوة، لكن ماذا عن الملاك الوظيفي الأرفع كفاءة الذي بات يترفع على علاج المواطنين ويكتفي بالأشراف على قطاع الخدمات الطبية الخاص في مستشفيات القطاع العام؟

ماذا عن الملاكات الوظيفية التي تجهل ميادئ العمل في ميدان التخصص الذي استحوذت عليه لانتماءاتها العقائدية وفق المحاصصة، التي وصل الأمر فيها إلى حد خرق التقييم العلمي للمناصب في الجامعات ووزارة التعليم العالي، ومحاولة تحويل الدراسات الطبية ضمن سوق النخاسة الذي نعاني منه في التربية والتعليم؟؟

إن التغيير الذي طالبت به انتفاضة تشرين 19 وقبلها الانتفاضات السابقة، يستدعي خطة آنية ووسيطة تتخطى كل الروتين، لكن من قبل ملاكات نزيهة من غير ملاك قوى المحاصصة، من أجل ضمان تلبية مطالب الشعب العادلة، وهي الخطوة الرئيسة الحقيقية التي تضمن "شرعية" الحكومة الحالية، بعكسها وفي ظل مقاومة "ماري انطوانيت" وحاشيتها لتوجهات الإصلاح الجذري، فأن المصير معروف وإن طال الأمد قليلاً، فلا لويس السادس عشر بقي ولا ماري انطوانيت بقيت تأكل البسكويت بدل الخبز..

 

 

 

 

 

 


مشاهدات 1341
أضيف 2022/11/19 - 12:43 AM
آخر تحديث 2024/11/21 - 6:54 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 97 الشهر 9221 الكلي 10052365
الوقت الآن
الجمعة 2024/11/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير