الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المنظومة السياسية.. ستراتيجيات مبعثرة ووعود مغيبة

بواسطة azzaman

المنظومة السياسية.. ستراتيجيات مبعثرة ووعود مغيبة

رياض عبد الكريم

 

لعل من اولويات نجاح العمل السياسي هي الارتكاز على الحقائق اولا ومن ثم التعمق في فهم ضرورات المرحلة وحاجات الناس في حدود الاستحقاقات وتحديد نقطة الانطلاق للشروع بتكوين الدولة بعد توفير المستلزمات المادية والبشرية انطلاقا من الحاجات ذات التخصص لمشروع البناء.ان اي عمل نريد له النجاح والتكامل لابد ان يبدأ بطرح الاسئلة ، وبدون اجابات مقنعة وموضوعية ومدروسة فبالتأكيد ستتحقق منجزات عرجاء وترقيعية لاتنفع بقدر ماتضر ، ومن بين الاسئلة التي يمكن ان تؤسس لخارطة طريق جديدة هي اولا ان تبدأ الكتل السياسية بمراجعة تجربة التسعة عشر عاما التي مضت متسائلة ماذا حققنا للوطن والشعب ؟ وهل كنا بمستوى طموح الشعب ؟ وهل احترمنا القيمة الوطنية ، وهل كنا بمستوى المسؤولية ؟ وهل تحسسنا اخطائنا في محاولة للانطلاق مجددا بفكر مصحح ووجدان متيقض ؟ للاسف اقول لم يتحقق ما كنا نحلم ويحلم به الشعب.

الدولة لم تطور نفسها

وبكل صراحة فان البعض قد وقع ضحية عدم تفهم وادراك المنظومة القيمية  لقيمة  الاصلاح ، ذلك ان هناك مواقف عديدة تدفع بهذه الاتجاه  ، السؤال الاخر هو كيف يمكن لنا ان نؤسس مباديء ومرتكزات لبنية مجتمعية خلاقة تحترم القوانين والانظمة ، وتؤثر ايجابيا في السلوك الاجتماعي والنظم الخلقية والبناء النفسي في محاولة لاعادة تركيبة المجتمع بما ينسجم ومتطلبات المرحلة في حدود انتشاله من حيز الفقر والظلم والمعاناة ، لانني اجزم بأن كل العمل السياسي في العراق ومنذ سقوط النظام ولحد الان لم يولي اهمية لهذه الجوانب لأنه اتجه الى الشخصنة والذاتية وتحقيق المكاسب ونسى القضية الكبرى والاساسية التي تشكل محور السياسي في العمل الا وهو الشعب ، وقبل الشروع بتحقيق المنجز يجب العمل على بناء الدولة المدنية الحديثة وتأسيس مؤسساتها وفق الاتجاهات العلمية والتخطيطية واساليب التطور الحضاري والانساني ، فالدولة لم تطور نفسها على الاطلاق ، ولم تأتي بالجديد الذي يتلائم مع تطورات العصر والعلم ، بل انها سارت على ذات المنهج الذي تم تأسيسه في النظام السابق ، وكأنها عاجزة عن خلق البديل الافضل الذي ينسجم بل ويهيء الارضية الخصبة لترسيخ المنهج الديمقراطي والاستحقاقات الشعبية وتعميق الشعور بالقيمة الوطنية والانتماء العراقي ، وهذا لايمكن ان يتحقق الا من خلال اتخاذ سلسلة من الاجراءات الفورية والتي يمكن ان اصفها بالاصلاحية التحديثية والتي تتعلق بترشيد بنية الدولة والحكومة التي ترهل ادائها من كثرة الدوائر والمؤسسات الزائدة ، واعادة النظر في القيادات الوظيفية التي هيمنت على كل مؤسسات الدولة دون كفاءة او قدرة ادارية وانما جاءت بفعل المحاصصة الحزبية البغيضة التي كانت ومازالت تنهش بجسد الدولة لانها اتت بكوادر لم تفهم وتقدر قيمة ومعنى المنجز .

سلوك الفساد وسوء الاداء

بل الاكثر من ذلك فأن هذه الكوادر قد اسست وانتجت سلوكا متميزا للفساد وسوء الاداء والتخطيط برزت من خلالهما اساليب البيروقراطية والروتين والتعالي على الشعب . كذلك فأن قادة الكتل السياسية يتحملون مسؤولية كبيرة في بناء الدولة ، ذلك ان ترشيح القيادات الوظيفية كان ينبغي ان يخضع الى معايير القدرة والتخصص والكفاءة وقبل ذلك النزاهة ، وأن يبتعدوا عن المحاباة والصداقات والولاءات الحزبية ، ولايفوتني ان اذكر ان هناك بعض الاطراف السياسية قد خضعت لاجندات اقليمية وجوارية حاولت ان تهيء مناخات تساعد في اشعال الفتنة الطائفية وتكرس للفئوية بل حاولت كذلك ان تشضي الانتماء الوطني والقومي وتؤسس قواعد للعداءات، للدفع بأتجاه التناحرات والكراهيات للقضاء كليا على مباديء واسس التعايش السلمي بين كل فئات المجتمع العراقي ، واذا ما سألنا  لماذا يحصل كل ذلك ؟ اقول ... ان الفشل والافلاس السياسي لابد لهما ان ينتجا اساليب تأتي بمثابة ردة الفعل العكسية التي تواجه نجاحات البعض ، ومن جانب اخر فأن هذه الاساليب انما هي سادية سياسية تنتهجها الاطراف المتشددة التي لاتؤمن الا بأفكارها ، ولاتفهم اي معنى للحوار الديمقراطي الذي يمكن ان يقود الى التوافقات من خلال التنازلات التي تحتمها المرحلة اكراما للوطن والشعب ، والا كيف نفسر عذابات الشعب امام سعادة البعض الكثير من السياسيين الذين ينعمون بالمكاسب والامتيازات وهم يتفرجون على تلك العذابات دون ان يحركوا ساكنا ، متجهين نحو تأزيم الازمات ، وتعقيد التعقيدات ، وغياب الحلول ،وهذه مفردات اصبحت تشكل سمات المرحلة الحالية التي يعيشها العراق ، اطراف سياسية متناحرة ، اخفاقات في تحقيق المنجز الوطني ، تفسخ المنهج الديمقراطي ، تردي الاداء الحكومي والمؤسساتي ، وانعدام ملحوظ في توفير الخدمات والبنى التحتية ، انتجت بمجموعها احتقان شعبي وغضب جماهيري ورفض لكل اشكال التعسف والاهمال ومصادرة الاستحقاقات ليتحول كل ذلك الى تظاهرات شعبية عمت العديد من مدن ومحافظات العراق تصدرتها مطاليب وهموم وانذار ووعيد ، بل كادت ان تتحول بعض هذه التظاهرات الى عصيانات واعتصامات ، ولانعرف مايخبئه القادم من الزمن  فأين الكتل السياسية من كل الذي يحصل ، وهل تكفي اللجان التي شكلتها الحكومة للنظر في تلبية بعض المطالب لتهدئة الاوضاع وعودة الامور الى نصابها الطبيعي ، وماهو دور البرلمان في حلحلة الامور اولنقل ماذا فعل البرلمان ازاء كل ذلك ، وأين دعاة مناصرة الشعب من اعضاء البرلمان الذين يمثلون كتاهم السياسية متبجحين في تصريحاتهم بأنهم ممثلي الشعب ، ، ام ان البعض منهم قد ارادها ان تبقى شعلة نار تلتهم الاخضر واليابس على حد سواء لكي يخلقوا عدة فرص لطرح المطالب وفرض الشروط وتحقيق المكتسبات وكأنهم الشعب الاكبر داخل الشعب العراقي .

تحول الازمات الى ظواهر

فهل يمكن ان تتحول الازمات السياسبة الى ظواهر تشغل بال الجميع، وهل يمكن ان يظل العراق واهل العراق يكتون ينار هذه الظواهر دون ان يستطيعوا تحريك الساكن ، واذا كانت هذه الظواهر قد استغرقت الوقت الطويل ، دون حل او توافق على الحل ، فما هو موقف قادة الكتل السياسية ازائها او ازاء معانات الشعب ، وماهي آفاق المستقبل الذي يمكن ان يأتينا بالجديد الحسن ليجعلنا ننسى هموم الماضي ونلعن الظلام ، وعلى من يقع اللوم ، فهل ندين الاشخاص ام ندين الظروف التي احاطتها صعاب قد تفوق قدرة الدول والحكومات ، في الجانب الاخرهل يمكن اعتبار سياسة الفساد هي المتحكمة ، ام فساد السياسية هو المنتشر، وهل اصبح الجسد العراقي واهنا وضعيفا بفعل الفساد ، بحيث اصبح الفساد هوالقاعدة والنزاهة هي الاستثناء ، ام ان الحديث عن الفسادعند بعض من يعنيهم الامر صار خطا احمرا يمنع التحدث عنه ، او تطوى ملفاته عندما تشتد التساؤلات والاتهامات ، لقد اصبح الفساد آفة كبرى وهي الاخطر التي تواجه العراق في تقدمه على مختلف الاصعدة والمجالات ، سرطان توغل في بنية الدولة العراقية والمنظومة السياسية وبدأ ينتشر ليعطل ويقتل كل مايمكن ان يتحقق بصيغة المنجز تاركا الخسارة الكبرى للشعب ، شخوص ، مافيات ، رجال دولة ، ساسة متنفذين ومسؤولين كبار ، موظفون ورجال اعمال توزعوا على كل مرافق الدولة لينهشوا خيرات البلد بشتى الحجج والوسائل ، بل تفننوا بالاساليب والطرق والتزوير لكي ينهبوا المال العام ، مال الفقراء والايتام ، مال الارامل والشهداء ، مال الشيوخ والعجزة ، مال ، كان يمكن ان يكون عونا لكل هؤلاء من العراقيين فيما اذا صرف في استحقاقه المظبوط والمقدر له ، فالنزاهة والفساد ، نقيضان من يغلب من ، فأذا كان الزمن الذي مضى هوعصر الفساد ، فهل نأمل ان يكون القادم من الزمن هو عصر النزاهة .

اعادة النظر

لذلك اقول اننا بحاجة الى اعادة نظر جذرية بكل منهجية العمل السياسي ، والتوقف طويلا امام سلبيات هذه المنهجية ، اخذين بنظر الاعتبار كل الاسئلة المطروحة اعلاه في محاولة جدية للاجابة عليها ، كي يتم رسم خارطة طريق جديدة تنطلق من خلالها اسس بناء مرحلة جديدة لاتخلو على اقل تقدير من الاعتذار للشعب عن كل مراحل السوء التي انقضت طيلة التسعة عشرعاما والذي تمثلت بسوء الاداء السياسي وتخلفه عن ممارسة دوره في تعميق مبادئ العفة السياسية والقيم الوطنية  ، من اجل ان تؤسس لمراحل نجاح قادمة مبنية على اساس كل المفردات المذكورة اعلاه .


مشاهدات 938
أضيف 2022/11/16 - 5:14 PM
آخر تحديث 2024/11/20 - 5:56 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 261 الشهر 9385 الكلي 10052529
الوقت الآن
الجمعة 2024/11/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير