في قصيدة جميلة غنَّتها أم كلثوم يقول شاعرها محمد إقبال:
حديثُ الروحِ للأرواح يَسري
وتـدركُـهُ القـلـوبُ بـلا عنـاءِ.
ومنذ مئات السنين والعلماء والمفكرون يحاولون ويبحثون لعلهم يعرفون شيئاً عن هذه الروح؟ لكن العقل الإنساني العجيب الغريب لم يصل إلى نتيجة ولن يصل. لا العلم الحديث ولا القديم. فكل ما قيل أو يُقال لا يضيف شيئاً إلى قوله تعالى: “ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربِّي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً”.
لم يقل العلماء أكثر من قول الشعراء. ولا جواب لديهم ولا يجدون لها تفسيراً علمياً سوى أنها نسمة رقيقة، أو نفخة لطيفة. ربما نسبوها لغةً إلى الريح. وكلما جاء ذكرها في القرآن الكريم اقترنت بأمر الله وحده.
ولأن الإنسان مهمومٌ بالموت، كان يبحث عن أسراره منذ البداية. وفي الملحمة البابلية فإن الخوف من المجهول دفع بجلجامش للبحث عن نبتة الخلود حتى يلتقي غريمه إنكيدو في رحلته الأبدية. والمصريون القدماء كانوا يلجأون إلى تحنيط جثث موتاهم أملاً في لقائهم.
والديانات والمعتقدات والفلسفات كلها انشغلت بقضية “الروح”. وعندما ماتت والدة الكاتبة الوجودية سيمون دي بوفوار فإنها لم تحزن عليها أو تذرف دمعة. بل جلست تفكر بالطريقة التي ماتت بها؟ وكيف ماتت؟ ولماذا؟ وأين ذهبت روحها؟ وهل تراها مرة ثانية؟!.
أمَّا تحضير الأرواح فصدِّقني لا شيء يحضر منها بالمرَّة.. الطريف أن كاتباً كبيراً مثل محمد حسنين هيكل خرج على قرَّائه أعوام السبعينات بمقال غريب يقول إن القيادة المصرية آنذاك استعانت بأستاذ جامعي في الفيزياء ليسأل روح الرئيس جمال عبد الناصر عن الطريقة التي كان يتعامل بها مع إسرائيل!.
في كتابه “الروح” يتناول ابن قيِّم إحدى وعشرين مسألة شائكة، معقدة، كلها أسرارٌ وألغاز.. إنه يريد أن يعرف: هل يشعر الأموات بزيارة الأحياء لهم؟ وهل الأرواح بعد الموت تلتقي؟ وهل تتواصل مع الأحياء؟ وهل تفنى أو تموت؟ وهل الروح قديمة أم مخلوقة؟ وكيف؟ وأين؟ ومتى؟.
والقرآن الكريم يتحدث عن قصة “القتيل” في سورة البقرة. ذلك الذي أحياه الله تعالى وأخبره من الذي قتله؟ وهنالك قصة الذي “أماته الله مائة عام ثم بعثه”.. ثم قصة الذين “خرجوا من ديارهم وهم ألوفٌ حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم”. إنهم أبناء أمة خرجوا من ديارهم خوفاً من الطاعون فماتوا كلهم، ثم شاءت عناية الخالق الأعظم أن يعودوا إلى الحياة.
وابن أبي الدنيا يؤكد لنا في كتابه الممتع “من عاش بعد الموت” أن هنالك من الموتى عادوا إلى الدنيا مرة أخرى. ويسرد لنا الحكايات الشيّقة، التي يريد من خلالها أن يثبت مقام روايته بسند ضعيف من الرواة في بعض الأحيان.
ومرة جاءني زميل لنا بتحقيق صحفي ظريف يتحدث عن رجل مات ثمَّ عاد إلى الحياة وبين يديه شهادة وفاته في قصة أقرب إلى الخيال. وابتسمت غير مصدّق بما يقول. لكنه أقسم أنها حدثت بالفعل. كيف؟ لا أعرف!. ماذا شاهد؟ قال: لا يدري! لقد مات في الليل وعاد في الصباح. شيء عجيب. نعم!.
ودعني أقول لك إني وجدتُ في الناس من يتشافى بالرؤيا الصالحة. يستيقظ من منامه فيقول: والله لقد شفيتُ من المرض وخفَّ عنِّي الألم.. ومن يدري لعلَّ في رؤياه نسمة تهبُّ من الروح تنفع في شفائه ودوائه.. والله أعلم!.