الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
فؤاد الشمس.. الصديق الجميل والزميل النبيل

بواسطة azzaman

فؤاد الشمس.. الصديق الجميل والزميل النبيل

هارون محمد

 

عندما التقيته، أول مرة، قبل نصف قرن، حسبت أني أعرفه من زمان، لما يحمله من دفء وحميمية، واكتشفت أنه بصري  الأصول، على وجهه قسمات عشارية باسمة، وفي روحه عذوبة آسرة، وأجمل ما فيه، تهذيبه العالي، وصفاء قلبه، فلم أره يوماً ساخطاً، ولم أجده لحظة مكتئباً، فقد كان الفرح يغمره دائماً، والابتسامة تلازم محياه أبداً.إنه فؤاد عبدالله الشمس، الصحفي الهاديء، والمترجم البارع في وكالة الأنباء العراقية (واع)، معشوقته وبيته الثاني، حتى أنه، من فرط ولهه بها، رمى وثائق تقاعده وراء ظهره، وعاد إليها، وكأنه لا يقدر علـــى العيـــش بعـــيداً عنها.

وقد سنحت الظروف له ولي، أن نقيم في روما، هو مراسل (واع) وأنا سكرتير تحرير جريدة (الأيام العربية)، على امتداد قرابة عام، وكان رئيس تحريرها الصديق الصحفي والشاعر الفلسطيني الراحل راضي صدوق، ولا أذكر أو أتذكر، أننا تباعدنا أو تخلفنا عن موعد لقائنا اليومي في شارع (ناسيونالي)، حيث المقاهي الأنيقة، وأرصفة البهجة، والزبائن أشكال وأنواع، وأحلاهم  الحسناوات الإيطاليات، وجميعهن يغلب الغنج والدلال على جلساتهن وحركاتهن، وذات مساء، مالت إحداهن على فؤاد، وغازلته بمفردات إنجليزية،  فاحمر وجهه، وارتعشت أصابعه، من المفاجأة، أو من جمالها الأخاذ ربما، والتفت اليَّ يستمد العون مني، وأنا من جانبي، أردت استعراض عضلاتي، بما أحفظه من كلمات المجاملة والتعارف الإيطالية، وتحدثت معها، ودعوتها، على عادتنا كعرب مغرمين بـ(حنا للضيف)، إلى مائدتنا، لتنضم إلى قعدتنا، وقد يهديها الله وتشاركنا سهرتنا، فأدارت رقبتها عنا، وأعطتنا ظهرها، وغادرت المقهى وهي تنظر شزراً إلينا، وضحك النادل جوليانو، صاحب الشاربين المفتولين والعينين الغمازتين، على خيبتنا، وأبلغنا أنها طالبة من جزيرة صقلية جاءت إلى روما تدرس مسرحيات شكسبير، وسمعت ابن الشمس، يهاتف صديقاً له، ويكلمه بالإنجليزية التي يُتقنها، فانجذبت إليه، تبغي صداقته أو رفقته (لا فرق)، ولكنه من شدة حيائه، وربما لوجودي معه، وقد (ألزم عليه لزمة)، تهرّب منها، ولم يتجاوب معها، وقد بقيتُ سنوات بعد الحادثة، أذكرّه بها، وأعيرّه بهزيمته فيها، وهو يتحسر ويهّز رأسه.وفؤاد الشمس، كما يعرفه زملاؤه وأصدقاؤه، إنسان نقي، وصاحب خلق رفيع، يحرص على أداء عمله بجد واتقان، وهو رجل متواضع، ويحب الخير، وذات مرة، ثرت عليه، وقسوت في الكلام معه، وكان رئيساً لقسم الأخبار الخارجية، وأنا أتبعه صحفياً وإدارياً، بصفتي مسؤولاً عن شعبة الانصات، أو الاستماع الإذاعي، لأنه منح إجازة لأحدى المنصتات الثقيلات المشاغبات، من دون موافقتي، وأخجلني اعتذاره وأسكتني اعترافه بالخطأ، وقد لمت نفسي على ما بدر مني، وعدنا إلى سابق صحبتنا.

وفي دمشق الشام، وكان قد جاءها ضجراً، مما حصل في بغداد العباسية، من أحداث ومآس، لم تُطقها طبيعته المسالمة، ولم يتحملها قلبه الرقيق، وجدته، بعد غيبة وانقطاع سنوات، وقد امتدت سحابة حزن على وجهه، وهو الذي كانت الابتسامة لا تفارق ثغره، وعدنا إلى لقاءاتنا، ولكن، هذه المرة، في نادي الصحفيين السوريين، الذي عوضنا عن نادي الإعلام البغدادي، وأمضينا أياماً وليالي، كنا نستعيد فيها ذكرياتنا المشتركة في بغداد وروما، ونتسلى على ما مضى وانقضى من حالات ومناسبات مرت بنا.

فؤاد الشمس.. رحل في بغداد التي عاد إليها، قبل سنوات، وقد لزم عشه الأثير، في بيته الصغير، مع حبيبته ورفيقة دربه، زميلتنا الناعمة البهية، منى الشيخلي، وقد هدّه تعب الزمان، وثقلت عليه السنوات، ومؤكد أنه ودع الدنيا، وهو يبتسم برغم أوجاعه، يرحمه الله، ويُسكنه فسيح جنانه، ويشّد من أزر أهله وذويه وأصدقائه وزملائه، ويُلهم (سماح) وأمها، صبراً جميلاً، على فراقه الأليم.


مشاهدات 959
أضيف 2022/02/14 - 5:08 PM
آخر تحديث 2024/11/21 - 5:15 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 275 الشهر 9399 الكلي 10052543
الوقت الآن
الجمعة 2024/11/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير