الجذر التاريخي لنزعة إحراز المكاسب والإمتيازات
حسين الصدر
-1-
ليس ثمة ما يمنع لا في الموازين الدينية ولا في الموازين القانونية المعروفة من أنْ يكون الانسان طموحاً عريضَ الأمنيات ...،
ولكنَّ المهم أنْ لا يكون ذلك على حساب الآخرين .
وبعبارة أخرى :
الصعود الى الأفاق العليا محمود بشرط أنْ لا يكون ذلك باختراق الخطوط الحمراء .. والتحايل على الموازين والقوانين .
-2-
ولن تجد في سيرة الأبرار والصالحين –عبر التاريخ – ما يُشعر بهبوطهم الى مستنقعات التلاعب والتحايل بالمعايير الموضوعية والثوابت الدينية والاخلاقية والاجتماعية .
-3-
وأما الأعراف الفاسدة للزعماء والرؤساء في ظلّ عهود الانحراف عن هَدْيِ السماءِ والزيغ والطغيان وتسيّد الغرائز فهي على النفيض مِنْ ذلك.
انّها تأخذ ولا تعطي ،
وترفض أنْ تُعامَلَ على قَدَمِ المساواة مع الآخرين حتى في قضايا الدين والعقيدة ..!!
انّها تريد أنْ تكون لها امتيازاتُها الكبيرة على حسابهم اشباعاً لأهوائها المحمومة .
-4-
وخير ما يُستدل به في هذا المضمار هو موقف رؤساء العشائر الذين وَفَدُوا على الرسول الكريم محمد (ص) ليطلعهم على حقائق الاسلام .
فقد جاء في التاريخ :
إنّ (عامر بن الطفيل) وهو من الرؤساء، وَفَدَ على النبي (ص) مصطَحِباً (أربد بن قيس) .
فقيل لرسول الله (ص) :
هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نَحْوَكَ فقال :
" دَعُوه ، فان يُرد اللهُ به خيراً يَهْدِهِ "
فأقبل وقال :
يا محمد :
مالي إنْ أسلمت ؟
قال (ص) :
" لكَ ما للمسلمين وعليكَ ما عليهم "
قال عامر :
تجعل لي الأمرَ بعدك ؟
قال النبي (ص) :
{ ليس ذلك اليّ ،
انّما ذاك الى الله تعالى يجعله حيث يشاء }
قال :
فتجعلني على الوَبر ...؟
قال :
لا
قال :
فما تجعله لي ؟
قال (ص) :
" أجعل لك أَعنّة الخيلِ تغزو عليها "
قال عامر :
أو ليس ذلك اليّ اليوم ؟
-وكان (عامر ) قد اتفق مع (أربد) الذي صاحَبَهُ ، أنْ يدور خلف النبي (ص) ويضرب عُنُقَه أثناء محادثته له –
فاشتد عامر في الخصام مع الرسول (ص) وأشار الى (أربد) أنْ يضربه بسيفه، الاّ إنَّ الله سبحانه منع (أربد) من أنْ يخترط سِيْفَه ، وَحبَسَهُ فلم يقدر على سَلِّهِ .
وجعل (عامر) يُومي اليه ،
فالتفتَ رسول الله (ص) الى خَلْفِه فراى (أربد) وهو يعالجُ سَيْفَه يُريد أنْ يخترطه فقال :
" اللهم إكْفِنِيهِ بما شئتَ "
فأصابه الله بصاعقة مُحرقة ،
وولّى عامر هاربا وهو يقول للنبي (ص) :
يا محمد :
دعوتَ ربَّك فَقتَل ( أربد ) والله لأملأنّها عليك خَيْلاً جُرّدا أيّ سبّاقة وفتيانا مُرْدُاً ( اي ليست لهم لِحَى )
فقال رسول الله (ص) :
( يمنعك اللهُ تعالى من ذلك وابنا قَيْلة )
يُريد (ص) : الأوس والخزرج
وانتهى المطاف (بعامر) الى بيتِ امرأةٍ سلوليّة، وسلول عند القبائل العربية من أذِّلِ القبائلِ وأدناها ،
وأُصيبَ وهو يتهيأُ للاعتداء على الرسول (ص) حاملاً سلاحه بِغُدّةٍ كبيرة كغدّة البعير، ومات على ظهر فرسه ...
وفي هذه القصة أكثر من محطة يحسن بنا الوقوف عندها .
المحطة الأولى :
انّ هناك من الرؤساء والزعماء مَنْ لا يُرضيه إلاّ الحصول على أكبر نصيب من { الكعكة } والاّ فهي لا يكف عن العدوان والايذاء ..
الثانية :
انّ الرسول (ص) كان ثابتاً على المبدأ لا يحيد عنه ولا يتزحزح قيد أنمله،
وهكذا يجب أنْ يكون موقفنا إزاءَ فرسانِ المطامع والأغراض الدنيوية .
الثالثة :
لن يُفلحَ مَنْ يصطف مع المفسدين، وما حصل لـ ( أربد ) دليلٌ واضح على ذلك، فقد دفع ثمن انحيازه للباطل وأهله ومات بصاعقة محرقة .
الرابعة :
انّ المُبْطلين يخططون ويُعدّون العدة للوصول الى ما يريدون، فلقد جاء ( عامر ) ومعه (أربد ) بعد أنْ عهد اليه بالدور المشؤوم في خِطَة ماكرة خبيثة ،
الخامسة :
ان الله تعالى كما نصر رسولَه (ص) وأيّده بالأنصار ، ينصر أولياءه المخلصين .
وكما قال تعالى :
{ ولينصرنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُره }
الحج /40
وكفى بالله هاديا ونصيرا